|
كما أن النقد الموجه للحضارة و الثقافة الغربية كان أكثر عقلانية و موضوعية، يميز بين ما هو إنساني عام و ما هو خصوصية أنجبتها رحم ظروف التطور التاريخي و الاجتماعي و الاقتصادي الذي عرفته المجتمعات الغربية. لذلك اتسمت هذه الانتقادات بالعمق و تبنتها شرائح واسعة من المثقفين على اختلاف مشاربهم و توجهاتهم الأيديولوجية.
فإذن الحديث عن الهوية العربية و الإسلامية و التحديات التي تواجهها من طرف الحضارة الغربية ليس وليد بروز ظاهرة العولمة الثقافية، و إنما يرجع كما أسلفنا القول إلى بداية الاحتكاك العسكري و الثقافي مع هذه الحضارة قبل قرنين من الزمان تقريبا، و قد عرف هذا الاحتكاك تطورا اتسم بالمد و الجزر، بالاستجابة الايجابية حينا و بالتصادم و العدوان حينا آخر. لكن ما يميز ظاهرة العولمة هو كون التحديات الآن أخرت بعدا آخر، أكثر شمولية و خطورة، لان الثقافة الغربية امتلكت الآن الوسائل و الأدوات القادرة على الوصول إلى عقل الإنسان العربي و المسلم بشكل دائم و مستمر، و قد امتزجت و تداخلت مع عدد كبير من المجالات الاقتصادية و السياسية و العلمية، لذلك فقدرتها على التأثير أصبحت مضاعفة و غير محدودة.
و أمام الإخفاقات التي تعاني منها مجالات الثقافة و الاقتصاد و السياسة داخل العالمين العربي و الإسلامي، فإن أرضية التأثير و الاستيعاب أصبحت مهيأة أكثر لاستقبال موجات الثقافة الغربية و هي تدعو و تنشر قيمها باعتبارها قيما إنسانية متقدمة. جاءت نتيجة قرون من تراكم الخبرات و التجارب الإنسانية في أكثر من مجال و على أكثر من صعيد.
هذا الوضع الجديد الذي وصل إليه الاحتكاك الذي أخذ طابع الصراع في أكثر الأحيان، و الإمكانات التقنية الهائلة التي تملكها الثقافة الغربية، و الوضع المزري الذي يتخبط فيه العالم العربي و الإسلامي، هو الذي يؤرق النخب المثقفة العربية و الإسلامية، و يجعلهم يتوجسون خيفة من العولمة الثقافية، أكثر بكثير من خوفهم من الغزو الثقافي الذي عالجوه و ناقشوا تداعياته من قبل.
فهذه العولمة شاملة و ليست ثقافية فقط، و إنما اقتصادية و سياسية، و هذان العنصران يدعمان الثقافة بشكل كبير، لأنها بدورها تساعدهما على التجدر و التعمق باعتبارهما خيارات حضارية تستجيب لحتمية التطور. و هذا يشكل تحديا خطيرا للهوية العربية و الإسلامية لم يسبق لها أن تعرضت له بنفس الحجم و القوة و الخطورة.
لذلك نجد أن النخب المثقفة العربية و الإسلامية هرعت لمناقشة ظاهرة العولمة الجديدة، لمعالجتها و الكشف عن أخطارها على جميع المستويات الاقتصادية و السياسية و الثقافية و قد عقدت أكثر من ندوة و مؤتمر لمناقشة هذه الظاهرة، كما خصصت مجموعة من الدوريات المتخصصة بشؤون الفكر و الثقافة ملفات لمناقشة تداعيات العولمة و التعريف بها.
و كتب الكثير حولها من طرف المفكرين و المثقفين. سنحاول تتبع آراء مجموعة من المفكرين العرب و الإسلاميين حول الآثار السلبية للعولمة الثقافية على الهوية العربية و الإسلامية، و ما هي الوسائل التي يقترحونها للحد من تأثير التداعيات المدمرة لهذه الظاهرة الخطيرة التي تعتبر من أهم و أخطر التحديات التي تواجهها الأمة العربية و الإسلامية الآن.
(سمير حجازي) 7 نيسان 2010
|
Tags
You must be logged in to add tags.
Writer Profile
Sameer Hejazi
This user has not written anything in his panorama profile yet.
|
Comments
You must be a TakingITGlobal member to post a comment. Sign up for free or login.
|
|