|
لذلك فمن بين أهم الشعارات التي رفعت في وجه الاستعمار و ساعدت بشكل حاسم في إخراجه و تحقيق الاستقلال، كان شعار، الدفاع عن الهوية.
ثم مع الغزو الثقافي المنظم، لم يتوقف الحديث عن الهوية التي يجب أن تحصن أمام هذا الغزو، و عليه فخلال المائة سنة الماضية تقريبا و إلى الآن، لم يتوقف الحديث عن الهوية التي تتعرض لمخاطر الغزو و الاحتكاك و من ثم خطر الذوبان.
لكن ما يلاحظ هو أن معالجة هذا الموضوع قد تطورت بشكل ملفت، لان مجموعة من التداعيات كانت قد استوعبت بطريقة ايجابية، و ذلك لان المفكر العربي و الإسلامي تعامل معها على أنها لا تمس جوهر الهوية، و إنما هي عناصر تتعلق بالجانب المتحول في حضارتنا و قيمنا و أعرافنا، و بالتالي فأي تأثير عليها سواء بالتطور أو الإلغاء و النسخ ليست له مدخليه حقيقية في العناصر الأساسية المكونة لهويتنا العربية و الإسلامية.
و قد دعم هذا الاتجاه ضعف تماسك عدد من العناصر التي تروج لها الثقافة الغربية، باعتبارها غير عقلانية أو مناوئة لقيم دينية راسخة و سليمة و منسجمة مع الفطرة الإنسانية، لذلك لم تجد الثقافة العربية و الإسلامية صعوبة علمية و عملية في نقد هذه العناصر و الكشف عن تهافتها و الرد عليها بشكل مقنع و مؤثر، و قد استوعبت قطاعات واسعة من الأمة (نخبا و عوام) هذه الردود و اعتقدت في موضوعيّتها و قوتها، مما جعل تلك العناصر الثقافية الغربية (كالإلحاد مثلا) تتراجع و ينحسر انتشارها بشكل كبير، بل أن موجات مناهضة للثقافة الغربية شكلا و مضمونا قد عرفت طريقها نحو الانتشار الواسع داخل الأوساط الثقافية و الاجتماعية بشكل عام، و من ثم تعززت مكونات الهوية في الوقت الذي تصاعدت فيه موجات الدعاية للثقافة الغربية.
و من المظاهر التي سجلت و أُرخ لها كظاهرة ميزت العقود الثلاث الماضية، ظاهرة المد الإسلامي أو الأصولية كما يسميها الإعلام الغربي، التي انتقد دعاتها بشدة الحضارة الغربية و حملوا على ثقافتها و قيمها و دعوا إلى رفضها و مقاومتها و التشبث بالقيم العربية و الإسلامية و العناية بالموروث ألقيمي الحضاري لأمتنا. و قد لاقت هذه الدعوات استجابة عريضة داخل الأوساط الاجتماعية و النخب الثقافية بدرجات متفاوتة.
وقد اعتبر انتشار هذا المد الصحوي الإسلامي بمثابة رد فعل طبيعي على عقود من التغريب ومحاولة اللحاق و الإستتباع الحضاري الذي حاولت بعض النخب السياسية التابعة ثقافيا للغرب أن تفرضه. كما اعتبر دليلا على فشل مشاريع التحديث الثقافي التي مست الهوية في عدد من عناصرها و التي كانت تستمد مكوناتها الأيديولوجية من الحداثة الغربية و تتغذى من إنتاجها الثقافي.
و مما لا شك فيه أن ظاهرة الصحوة الإسلامية قد عززت مفهوم الهوية الحضارية و عمقته و كشفت عن إمكانات ضخمة تختزنها ذاكرة الأمة الثقافية و وجدانها الداخلي. و أن الضربات المتتالية التي تعرضت لها هذه الهوية لم تكن قاتلة، بل ساعدت على نفض الغبار عنها و تفعيل عناصرها و تزر يقها بدماء و حيوية جديدة.
و قد سجل كذلك تراجع لعدد من رموز النخب التي كانت تجعل من نفسها وسائط لنقل الثقافة الغربية، بل أصبحت مجموعة منهم من الدعاة لرفض الثقافة الغربية و مقاومتها و التشبث بعناصر الهوية العربية و الإسلامية.
و إذا كانت هذه الظاهرة الصحوية الداعية إلى التشبث بالهوية و إحيائها، قد كشفت من مواقف متطرفة، تدعوا للانغلاق و رفض الآخر بشكل نهائي و قاطع، فإن مواقف أكثر نضجا و فهما للصراع الحضاري و للموقف الحرج الذي تعاني منه الأمة العربية و الإسلامية ليس على المستوى الثقافي فحسب و لكن على المستوى الحضاري العام، كانت قد تبلورت، لأنها و انطلاقا من موضوعية المعالجة شعرت بضرورة التثقف و الانفتاح على الآخر، لكن بشروط من أهمها تفعيل عناصر الثقافة العربية و الإسلامية، و تنشيطها و الكشف عن خصائصها و مميزاتها، و محاولة تقديمها بحلل جديدة لائقة، تستطيع أن تقاوم و تنافس بل و تنتصر في نهاية المطاف و عدم الخلط بين الثابت و المتحول في ثقافتنا.
|
Tags
You must be logged in to add tags.
Writer Profile
Sameer Hejazi
This user has not written anything in his panorama profile yet.
|
Comments
You must be a TakingITGlobal member to post a comment. Sign up for free or login.
|
|