|
ولو أننا رمنا تحديد الاتجاه الذي تتطور إليه هذه النظم المتحكمة في رقاب شعوبنا منذ نصف قرن يزيد لألفيناها تغذ السير في الاتجاه المعاكس لحركة ساعة العصر فتزداد، مع اشتداد المطالبة الخارجية والداخلية لها بالإصلاح والانفتاح والمشاركة، رعبا من هذه المطالب واستعدادا لمقايضة مطالب الخارج بمزيد التفويت لصالحه في ما تبقى من مقومات الاستقلال على صعيد الاقتصاد والأمن والاستجابة لمطالب المشروع الصهيوني، وذلك مقابل تصعيد وتيرة التشدد في التعامل مع مطالب الداخل عتوا وتعويلا أكثر فأكثر على وسائل العنف والغش قضاء على نزر السياسة المتبقي.
وبلغ خلط الألوان في هذه الأنظمة حدا يعسر معه تصنيفها ضمن الأنظمة المعاصرة، فعلى حين أن محتواها امتداد لأسوأ أنظمة الإطلاق تحرص على استعارة الأصباغ من الديمقراطية المعاصرة فتتوفر على "أحزاب" و"انتخابات" و"برلمان منتخب" "ودستور" "يفصل بين السلطات" و"مؤسسة قضائية" و"مجلس دستوري" و"صحف" و"مؤسسات مجتمع مدني"!! حتى أن الألصق منها بشعارات الحداثة مثل تونس ومصر لا يكاد يغادر مفردا في القاموس الديمقراطي إلا حرص على استعماله.
غير أننا لو بذلنا قدرا ولو قليلا من التدقيق في ما وراء هذه الأصباغ الديمقراطية لرأينا شيئا عجبا، دستورا يركز كل السلطات في يد الرئيس/الملك، هو الذي يعين الوزراء ويزكي أعضاء البرلمان باعتبارهم من حزبه، وهو الذي يضع من القوانين ويسن من السياسات ما يشاء لتحظى بالمباركة. وهو نفسه الذي يشرف على مجلس القضاء الأعلى بما يجعل كل القضاة مجرد موظفين عنده كما يعين أعضاء المجلس الدستوري.
والدساتير هنا وخلافا لما عليه الأمر في النظم الدستورية الجادة طيعة جدا لأهواء الرئيس تكاد تسابق فصول السنة في تغيرها عبر إجماع برلماني سريع أو استفتاء شعبي مضمون من أجل ضمان رئاسة مؤبدة وحصانة من أي مؤاخذة عن جريرة خلال مباشرته للسلطة أو بعدها.
وإذا اشتدت المؤاخذة لقوانين الطوارئ بادر السلطان إلى استبدالها بقوانين الإرهاب، ويزداد الأمر جلاء وتتساقط أصباغ الديمقراطية إذا نحن ألقينا نظرة على الأثر الواقعي لهذه البنية الدستورية وبالخصوص في مجال الحقوق والحريات نرى عجبا.
في البلاد صحف كثيرة وقنوات إذاعية وتلفزية وسبق مشهود في الربط مع شبكة الإنترنت، ولكنها تنويعات شكلية تردد نفس اللحن وكل من سولت له نفسه الخروج قليلا عن نفس المقام تعرض للقمع، حتى فازت تونس ومصر بأطول وأكثر تقارير المنظمات الإنسانية المنشغلة بحقوق الإنسان، وأفردت تونس بقصب السبق في قيامها بأول محاكمة بل بأكثر من محاكمة للشباب الهاوي للإنترنت.
وليس حال بقية الحقوق والحريات بأقل سوء مثل حرية تكوين الجمعيات والأحزاب، فقد تسبب غياب هذه الحرية في سلسلة من المحاكمات لم تنقطع منذ الاستقلال، بل تفاقم ضحاياها حتى عدوا بعشرات الآلاف وتعرضوا وعوائلهم لمخططات استئصال وتنكيل بلغ حد التصفية الجسدية والاغتصاب رجالا ونساء إسلاميين وغيرهم.
أما الانتخابات فباعتبارها أهم آلية للحراك السياسي وتداول النخب والفرز بينها فهي هنا لم تتجاوز يوما كونها مجرد بيعات إكراهية لا يرتاب حتى القائمون بها في زيفها الكامل.
وتبلغ هنا الصفاقة السياسية الأوج أمام مشهد الإعلان الذي لم يتخلف منذ "الاستقلال" من قبل "رب البلاد"، عن فوزه بنسبة ثابتة، تسعات أربع يعجز عنها حتى الأنبياء والأبطال التاريخيون.
|
Tags
You must be logged in to add tags.
Writer Profile
Adel
I am a fun and simple person, Initiating in charity work,
Rapid to receive learning and I've ability to connect quickly, Enthusiastic for joint action between the cultural development projects, I like all opportunities for people to meet with some and working for new idea of development...
|
Comments
You must be a TakingITGlobal member to post a comment. Sign up for free or login.
|
|