|
أقف على شواطئ مدينتنا الغراء لأرقب ذلك الأفق البعيد الذي هو ليس ببعيد؛ لأرقب مستقبلاً ليس بمضيء، قد أكون متشائماً ولكني واقعي، قد أكون أخذت الشهادة الثانوية ولكن ماذا بعد؟ بالتأكيد لن يتحقق حلمي الأوحد (الجامعة)؛ لأن أمي بالكاد استحملت مصاريف المدرسة لا أريد أن أصدمها بحلمي، ولا أريد أن أكون أنانياً وأترك إخوتي يتسولون بعد أن تصرف أمي كل ما تملك عليّ هذا إن كانت تملك شيئاً، إذًا ماذا سأفعل؟ هل سأعمل كموظف، هه موظف، ومن قادر على التوظيف هذه الأيام الجميع يريدون الواسطة، وأنا ليس لي واسطة سوى الله جل جلاله، قد تكون أمي محقة بشأن ذرفها للدموع؛ لأنه قد زاد هم جديد إلى همومها..
تقطع خلوتي وقع أقدام تقترب وتقترب……
التفت لأرى من أتاني، نعم إنه صديقي رشيد الذي قدم مبتسماً، ذلك الفتي الذي لا يحمل هماً سواه ولا يفكر إلا بيومه (في أيام الدراسة كان شديد الذكاء رغم اتخاذه الإهمال منهجاً لحياته)، "مبروك " لم أعرف للحظة لم قال هذا الكلمة لي فتذكرت أنها بسبب نجاحي في المدرسة، فاصطنعت الابتسام ورددت عليه "مبروك أنت أيضاً".
ها… ماذا تريد أن تفعل؟ أعني بعد أن أخذت الثانوية؟… سؤال لم أتوقعه من شخص مثل رشيد هذا يعيش عالة على أبيه التاجر الذي يربح المال ليخسّره ولده إياه.
هذا ما كنت أفكر به قبل أن تقطع حبل أفكاري، يطلق ضحكة قصيرة ساخراً مني وقال: حبل ليس له نهاية وكله مليء بالعقد، صدق في هذه الكلمة "مليء بالعقد" التي لا تنفك أبداً فقلت له: وهل لديك حل لعقدي؟ أطلقت هذه العبارة لأنه دائماً يدعي أنه حلال المشاكل.
- بالتأكيد
- وما هي؟
هناك، وأشار بإصبعه نحو البحر أمامنا. نظرت هناك فلم أجد شيئاً سوى المياه الزرقاء التي امتازت بها بلدتي الجميلة، وقلت: ماذا؟
هناك الساحل المقابل، انظر إنه ينادينا من بعيد، الجامعة والعمل والمال، كل ما تريد هناك، على بعد ساعات من هنا، تحل كل مشاكلك المستعصية وكل آلامك الامتناهية
فهمت ما كان يرمي إليه، إنه يقصد الهجرة عبر البحر إلى أوربا، تلك الهجرة التي اشتهرت بها بلادنا منذ سنين، ومنهم من نجح في الوصول ومنهم من فشل وقبض عليه، وأكثرهم غرقوا من عبر البحر سباحة.
وهل أنت ستهاجر ؟
بالتأكيد وقد أحتاج إلى رفقة؛ لذا فكرت فيك (دائماً لا ينظر إلي سوى أني مرافق له ربما كان هذا سر تسميتي بخليل فكنت خليلاُ لطيشه المستمر، قد يبدو ذلك غروراً منه، ولكنه معذور في ذلك؛ فمثله من دللـه والداه وأفسداه فظن أن العالم خلق ليخدمه(
ولماذا ستهاجر؟
لا شيء فقد أردت أن أتفوق على والدي وأثبت له بأني أستطيع تكوين ذاتي ومساعدته في المستقبل … قل لي ما رأيك؟ لا تخش شيئاً فعمولة السمسار سأدفعها عنك، (عمولة السمسار التي دائماً أسمع عنها مبلغ كبير ربما بسعر بيتنا؛سيدفعه كي يحصل على رفقتي لا أعرف ما الذي ربطني بفتى مثله، ليس بيننا أي نوع من التوافق في الحالة الاجتماعية أو طريقة التفكير أو أهداف الحياة، من أيام الدراسة ولا يتركني أدعه أعمل شيئاً دون رفقته قد كان جريئاً بل وقحاً بعض الشيء بعكسي، ولكني كنت أبادله حبه واهتمامه بي، فقد كان يعبر عن حبه باصطحابي معه في كل شيء والسخرية الدائمة مني ومن أفكاري، وأنا أعبر عنه بانقيادي له، وقد كان مؤمناً بأني أحبه وأنه أعز أصدقائي لأنه كان يعتقد أن الجميع يحبونه وقد أكرمني بصداقته)، وتركني ذلك الرشيد الذي لا يملك ذرة من الرشد مطلقاً، مدعياً بأنه سيترك لي فرصة كي أفكر بل يقصد حتى أستعد للسفر أو بمعنى آخر للهجرة.
|
Tags
You must be logged in to add tags.
Writer Profile
anas
This user has not written anything in his panorama profile yet.
|
Comments
You must be a TakingITGlobal member to post a comment. Sign up for free or login.
|
|