
"مدرسة صيفية للمسرح"
لم يكن لقائي بهم مصادفة ، فاللغة و الأغاني و الدبكات التي يؤدونها فلسطينية بحتة ، أستطيع أن أستنتج ذلك من غنائهم لقصائد محمود درويش ، وارتجالهم لمواقف وأحداث تذكر بالقدس وأسوارها وعبق تاريخها الذي يمتد إلى بداية الزمان ، تتجسد في ملامحهم أمم أسست القدس ، وأمم أخرى تعاقبت على المدينة على مر الزمان ، منهم الشقراء التي تحمل ملامح كازاخستانية ، والبيضاء التي تحمل ملامح أوروبية ، والأسمر الذي يذكر بشخصيات كنعانية نقرا عنها في كتب التاريخ ، والأبيض ذو الشعر الأسود الأملس والعيون الواسعة القادمة من جبال عسير، تتمازج فيهم الأجناس والأعراق ويعكسون بهذا التمازج المدهش شخصية عربية فلسطينية استطاعت أن تصهر كل من مر عليها في بوتقة تبشر بمستقبل واعد بالخير و البركة .
ولكن ، ما الذي يفعلونه هنا في البندقية ، تلك المدينة الايطالية الشهيرة التي كانت إمبراطورية عظيمة يوماَ ما تملك أسطولا يسيطر على حوض الادرياتيكي والمتوسط وتحولت مع مر الزمان إلى رمز للتجارة البحرية ثم إلى مدينة ايطالية صغيرة تلهم الأدباء والشعراء والفنانين ، تلك المدينة التي جرت في أروقة محاكمها وعلى شواطئها أحداث مسرحية تاجر البندقية للكاتب الانجليزي الشهير وليم شكسبير !؟.
اقتربت منهم لأشاركهم مرحهم على جسر الريالتو الذي بناه الدوق ( باسكال سيجونا ) بين الأعوام (1588-1591) ليصل بين شطري المدينة التي يقسمها القنال العظيم إلى شطرين متساويين تقريباً .
كانوا يغنون للقدس(زهرة المدائن) تلك الأغنية الشهيرة للسيدة فيروز :
( لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي ، عيوننا إليك ترحل كل يوم ، ترحل كل يوم .... )
لم أتمالك نفسي وانضممت لهم ، وتحلق حولنا السياح ومن كل الجنسيات معجبين ومندهشين من هذه المجموعة المكونة من ستة عشر شخصاً اغلبهم في ريعان الشباب يتحلقون حول زميلهم (ايفان أزازيان) وهو يعزف اللحن على جيتارته بينما يغني البقية بأصوات تتراوح بين النعومة و الخشونة في انسجام تام : علاء أبو غربية ، رشا الزغير ، محمد الباشا ، فراس فراح ، سرين سموم ، عزت النتشة ، عطا ناصر ، بهاء الصوص ، دانية زيادة ، كاتيا بركات ، سجى الزحيكة ، عبد الرزاق أبو ميزر .
سألتهم : من أين أنتم و ماذا تفعلون هنا ؟ فانبرى لي أحدهم و عرفني بالبقية : هم جميعاً من القدس المحتلة باستثنائي فأنا من الخليل المحررة بين قوسين ، هكذا قال ، بين قوسين لأننا تحررنا بين قوسين ، يعني باتفاقيات أوسلو ، وهذا يعني أنني لكي أنضم إلى مدرسة المسرح الصيفية بالقدس ، وفي المسرح الوطني الفلسطيني ( الحكواتي ) فانه يجب علي أن أحصل على تصريح إسرائيلي ، فالقدس كما تعلم ، إن كنت لا تعلم ، مضمونة لإسرائيل حسب القانون الإسرائيلي المناقض لكافة القوانين الدولية .
على كل حال نحن جميعا طلاب في هذه المدرسة الصيفية ونحن جزء من واحد وثلاثين طالبا أنهوا تدريبهم في المدرسة هذا العام وقد تم اختيارنا لمرافقة أساتذتنا : كامل الباشا ، حسام أبو عيشة ، رشا جهشان ، عبد السلام عبده والمدير العام للمسرح الوطني الفلسطيني بالقدس السيد جمال غوشة للمشاركة في بينالي فينيسا ولتمثيل فلسطين في أقدم و أعرق التجمعات الفنية في أوروبا ولأول مرة .
وعندما سألت عن السبب في مشاركتهم وهم في بداية حياتهم الفنية ، بينما المعروف هو أن البينالي يستضيف عادة أشهر فناني العالم ، وسيمنح هذا العام اكبر جوائزه للفنان اللبناني القدير روجيه عساف على مجمل إنتاجه الفني ، أجابت دانيه :