![]() |
|
by errased elfani | |
Published on: Nov 28, 2008 | |
Topic: | |
Type: Interviews | |
https://www.tigweb.org/express/panorama/article.html?ContentID=23535 | |
"مدرسة صيفية للمسرح" لم يكن لقائي بهم مصادفة ، فاللغة و الأغاني و الدبكات التي يؤدونها فلسطينية بحتة ، أستطيع أن أستنتج ذلك من غنائهم لقصائد محمود درويش ، وارتجالهم لمواقف وأحداث تذكر بالقدس وأسوارها وعبق تاريخها الذي يمتد إلى بداية الزمان ، تتجسد في ملامحهم أمم أسست القدس ، وأمم أخرى تعاقبت على المدينة على مر الزمان ، منهم الشقراء التي تحمل ملامح كازاخستانية ، والبيضاء التي تحمل ملامح أوروبية ، والأسمر الذي يذكر بشخصيات كنعانية نقرا عنها في كتب التاريخ ، والأبيض ذو الشعر الأسود الأملس والعيون الواسعة القادمة من جبال عسير، تتمازج فيهم الأجناس والأعراق ويعكسون بهذا التمازج المدهش شخصية عربية فلسطينية استطاعت أن تصهر كل من مر عليها في بوتقة تبشر بمستقبل واعد بالخير و البركة . ولكن ، ما الذي يفعلونه هنا في البندقية ، تلك المدينة الايطالية الشهيرة التي كانت إمبراطورية عظيمة يوماَ ما تملك أسطولا يسيطر على حوض الادرياتيكي والمتوسط وتحولت مع مر الزمان إلى رمز للتجارة البحرية ثم إلى مدينة ايطالية صغيرة تلهم الأدباء والشعراء والفنانين ، تلك المدينة التي جرت في أروقة محاكمها وعلى شواطئها أحداث مسرحية تاجر البندقية للكاتب الانجليزي الشهير وليم شكسبير !؟. اقتربت منهم لأشاركهم مرحهم على جسر الريالتو الذي بناه الدوق ( باسكال سيجونا ) بين الأعوام (1588-1591) ليصل بين شطري المدينة التي يقسمها القنال العظيم إلى شطرين متساويين تقريباً . كانوا يغنون للقدس(زهرة المدائن) تلك الأغنية الشهيرة للسيدة فيروز : ( لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي ، عيوننا إليك ترحل كل يوم ، ترحل كل يوم .... ) لم أتمالك نفسي وانضممت لهم ، وتحلق حولنا السياح ومن كل الجنسيات معجبين ومندهشين من هذه المجموعة المكونة من ستة عشر شخصاً اغلبهم في ريعان الشباب يتحلقون حول زميلهم (ايفان أزازيان) وهو يعزف اللحن على جيتارته بينما يغني البقية بأصوات تتراوح بين النعومة و الخشونة في انسجام تام : علاء أبو غربية ، رشا الزغير ، محمد الباشا ، فراس فراح ، سرين سموم ، عزت النتشة ، عطا ناصر ، بهاء الصوص ، دانية زيادة ، كاتيا بركات ، سجى الزحيكة ، عبد الرزاق أبو ميزر . سألتهم : من أين أنتم و ماذا تفعلون هنا ؟ فانبرى لي أحدهم و عرفني بالبقية : هم جميعاً من القدس المحتلة باستثنائي فأنا من الخليل المحررة بين قوسين ، هكذا قال ، بين قوسين لأننا تحررنا بين قوسين ، يعني باتفاقيات أوسلو ، وهذا يعني أنني لكي أنضم إلى مدرسة المسرح الصيفية بالقدس ، وفي المسرح الوطني الفلسطيني ( الحكواتي ) فانه يجب علي أن أحصل على تصريح إسرائيلي ، فالقدس كما تعلم ، إن كنت لا تعلم ، مضمونة لإسرائيل حسب القانون الإسرائيلي المناقض لكافة القوانين الدولية . على كل حال نحن جميعا طلاب في هذه المدرسة الصيفية ونحن جزء من واحد وثلاثين طالبا أنهوا تدريبهم في المدرسة هذا العام وقد تم اختيارنا لمرافقة أساتذتنا : كامل الباشا ، حسام أبو عيشة ، رشا جهشان ، عبد السلام عبده والمدير العام للمسرح الوطني الفلسطيني بالقدس السيد جمال غوشة للمشاركة في بينالي فينيسا ولتمثيل فلسطين في أقدم و أعرق التجمعات الفنية في أوروبا ولأول مرة . وعندما سألت عن السبب في مشاركتهم وهم في بداية حياتهم الفنية ، بينما المعروف هو أن البينالي يستضيف عادة أشهر فناني العالم ، وسيمنح هذا العام اكبر جوائزه للفنان اللبناني القدير روجيه عساف على مجمل إنتاجه الفني ، أجابت دانيه : " لأننا تدربنا على يد أساتذتنا بناءا على أسلوب جديد في تدريب الممثلين ابتكره الفنان الايطالي جابريل فيشاس واسمه (سكيرا) وتم تدريب أساتذتنا على هذه الطريقة في ايطاليا في العام الماضي ثم قام أساتذتنا اللذين يرافقونا إضافة للفنانة ريم تلحمي والفنان صالح بكري والفنان رمزي الشيخ قاسم بنقل هذه الطريقة لنا بإشراف مباشر ومتابعة فيشاس وتلميذه الفنان الايطالي غلن بلاكهول ، حيث قاموا بزيارتنا مرتين خلال فترة التدريب ورافقهم فنانون آخرون اذكر منهم روبرتو تراسكو وغيره ، ونحن هنا الآن نستكمل تدريبنا " . وعندما سألت الفنان كامل الباشا عن هذه الطريقة ، لأنني ورغم متابعتي للحركة الفنية العربية والعالمية لم أسمع بها من قبل ، أجاب : " (السكيرا) تقنية بسيطة لتدريب الممثل ، ابتكرها جابريل فيشاس وتتخلص في ثماني خطوات تبدأ بالقدم اليمنى وبعد الخطوة الثامنة يستدير الممثلون في اتجاه آخر لثماني خطوات أخرى ، إنها طريقة بسيطة ومذهلة للتدريب على التمثيل حيث تتحول جميع التنظيرات الفنية لفن الممثل إلى لغة جسدية ، وترتكز السكيرا على مبادئ أساسية أهمها : الصمت ، التركيز ، الوعي (الجسدي والنفسي) ، الانضباط ، الفعل المسرحي (البداية و النهاية) ، التحول من فعل لأخر ، الروح الجماعية ، الطاقة ، تنويعات الإيقاع الصوتي و الحركي ، الاستمرارية والوضوح .... الخ . إنها نظرية تلخص كل ما سبقها من نظريات وتقنيات ابتدءا من ستانسلانسكي مرورا بميرهولد ، انتو نين ارتو ، بريشت ، غروتوفسكي حتى بيتر بروك لتنتج شكلاً مسرحياً حقيقياً يهدف إلى استعادة اللحظة المسرحية الحقيقية ويحَول الممثل من مؤدي للحدث المسرحي إلى صانع لحظي له ، فيتحول العرض المسرحي من عرض مكرر كل ليلة إلى عرض مبتكر لا تتكرر فيه الأحداث وإنما تعاش لحظة بلحظة . وهذه الطريقة تحتم على الممثل أن يكون طوال الوقت تحت التمرين وأن يعيش تدريباته لحظة بلحظة حتى في وقت العرض وإلا فان العرض سيتحول من عرض حي إلى آخر ميت لا حياة فيه " . إذن فهم ممثلون يبحثون عن الحياة على المنصة ويتواجدون في فينيسيا (البندقية) لاستكمال تدريباتهم ، ففي قاعة مسرح الجامعة هناك جلس مجموعة من المشاهدين يراقبون التدريب الذي يبدأ في العاشرة صباحاَ وينتهي الساعة السابعة مساءاَ وتتخلله استراحة الغداء ، يومياً وعلى مدار أسبوع دون كلل أو ملل وباستمتاع ظاهر على الطلبة و المشاهدين ، وبتواجد مثابر ومتابعة من مدير المسرح السيد جمال غوشه الذي قال : " يعتبر مشروع المدرسة حلما بدأ يتحقق وبصورة تدعو للاعتزاز ، فبرنامج التدريب بالقدس سار على أفضل صورة ممكنة ، وطلابنا اليوم ومدربوهم يشاركون في أفضل حدث فني عالمي ، ويعرضون نموذجا للفنان الفلسطيني المثابر والمصر على تطوير قدراته ، وأصدقاؤنا وشركاؤنا الايطاليون يساهمون معنا في هذا الجهد مشكورين ، وسيتابعون معنا المراحل القادمة والهادفة إلى توسيع نشاطات المدرسة وتطويرها ، حيث من المقرر أن يستكمل طلابنا تدريبهم على عدة محاور ، أولها ، المشاركة في إنتاجنا لمسرحية هاملت تأليف وليم شكسبير وإخراج كامل الباشا ، وثانيا : استكمال التدريب في العام القادم للمستوى الثاني ، وثالثا : المشاركة في انتاجات تدريبية أخرى سيتم اختيارها للعام القادم ، ونحن نأمل أن نستطيع من خلال مدرستنا أن نرفد الحركة المسرحية الفلسطينية بأجيال جديدة وان نتمكن من متابعة تطوير مدرستنا في الأعوام القادمة لتكون نواة لمدرسة شاملة للفنون الأدائية بكافة تخصصاتها " . وقد توجت التدريبات في يومها الأخير بدرس مفتوح حضره ما يزيد عن مائتي شخص و على رأسهم القنصل الايطالي العام بالقدس الذي حضر إلى فينيسيا خصيصاً لمشاهدة نتائج التدريب الذي تموله مؤسسة التعاون الايطالي ، وكان احتفالاً رائعاَ يدعو للفخر و الاعتزاز ، ويشيع في النفس الأمل بجيل مسرحي عربي يدرك ضرورة وأهمية المسرح و أثره الكبير والعميق في نفوس ووجدان الشعوب . وكان تتوج الاحتفال بالنشيد الوطني الفلسطيني حيث هب جميع من في القاعة احتراماً ، فيما وقف الشباب والشابات على المنصة وأيديهم على صدروهم مؤكدين اعتزازهم بفلسطينيتهم وانتماءهم لبلدهم وحبهم لها و للمسرح . الراصد الفني – القدس كانون ثاني 2008 « return. |