فجعنا جميعا بحادث غرق العبارة البنمية التسجيل والمصرية بالترخيص والتي تحمل شهادة الأمن والسلامة البحرية من إحدى جهات التصنيف المعترف بها وعضو المنظمة الدولية لاتحاد هيئات التصنيف، ومع كل هذا وحتي لا تضيع معالم وأسباب الغرق وبذلك يفر المتسببين عن الحادث من عقاب الدنيا وحتي لا يتوه الموضوع وننسي الفجيعة بمرور الوقت، لذلك فقد حرصت القيادة السياسية في أعلي مستوياتها ممثلة في السيد /رئيس الجمهورية بقراره بضرورة إجراء التحقيقات وعقاب المتسبب عن هذا الحادث والذي أدي إلى أن يتكفن بالحديد ويُغسل بماء البحر ما يربو عن 1029 راكب ومعهم بعض أعضاء الطاقم ممن كانوا علي سطح السفينة (وهذا هو العدد المعلن حيث أنه من المعروف صعود بعض الركاب لحظيا من ميناء المغادرة ولا يتم حساب عددهم ضمن الضحايا حيث يسمون في هذه الحالة بركاب السطح مما قد يضاعف من عدد الضحايا)، ومازلنا ننتظر مع جموع العالم البحري ما ستسفر عنه التحقيقات في هذا الشأن الجامح الجارح، ولن نستفيد شيئا من تكرار المواجع إلا أننا يجب أن ننوه بضرورة تطبيق قواعد الأمن والسلامة فعليا وليس مستنديا بعد أن غرق هذا الكم من جثث الضحايا والذين ركبوا تابوت متصدع من الحديد. وحتي لا يتكرر هذا الحدث الجلل مرة أخري فإننا نطالب بتطبيق قواعد الأمن والسلامة علي كافة السفن التي تحمل ركابا وتتعامل مع البشر. ومن العجب أن البعض يطالب بدور فعال لما يسمي بإدارة الأزمات وتفعيلها في مثل هذه الحالات. ولو علموا أن النصوص لمعاهدة الأمن والسلامة البحرية في عرض البحر والتي وضعتها الهيئة البحرية الدولية "إيمو" خلال عام 1994 وعقب حادث غرق العبارة "أستونيا" وفقد عدد يربو عن 865 من الركاب وأفراد الطاقم، فقد تم إدراج قواعد إدارة السلامة أثناء الأزمات ضمن الباب التاسع من معاهدة سلامة الأرواح في عرض البحر"سولاسSOLAS " والتي نصت علي ضرورة حصول أي سفينة تعمل في البحر وتخضع لشروط الهيئة البحرية الدولية منذ عام 2001 علي شهادة تعرف باسم شهادة "إدارة السلامة الدولية "ISM. وقد إشترطت هذه الهيئة ضرورة توافر متطلبات وشروط معينة حتي يتم الحصول علي هذه الشهادة طبقا لنص القرار رقم "A.741 (18)"، والقرار رقم ""A.788 (19)- IMO, 1995 والتي نصت علي ضرورة وضع خطة تسمي خطة الاستعداد للطوارئ ونصت المعاهدة علي مجموعة الشروط الآتية: -
- علي الشركة المالكة ضرورة وضع طرق لمعرفة وتحديد ووصف مدي الاستجابة الكامنة للطوارئ في حالة حدوث عارض فجائي للسفينة.
- علي الشركة المالكة ضرورة عمل برنامج تدريبي لجميع الأفراد قبل البدء بالرحلة البحرية استعدادا للطوارئ وكيفية التصرف بأمان وقت حدوث الحادث ودون حدوث عواقب تؤدي إلى زيادة الفقد في الأرواح.
- يجب أن تقوم الشركة المالكة بمد وعمل نظام إدارة معايير السلامة التي تؤكد أن المنظومة الإدارية للشركة المالكة يمكن استجابتها في أي وقت للمخاطر والحوادث وما قد يهدد السفينة أثناء مجابهتها لطارئ أيا كان هذا الطارئ.
ودعونا نناقش في صراحة مدي تطبيق الشركة المالكة لهذه الشروط الثلاث، فالقبطان مسئول مسؤولية تامة عن توصيل الركاب والطاقم وفقا للمعايير الدولية بأمان تام ودون حدوث ما قد بعرض الأرواح والممتلكات للخطر، بشرط صلاحية السفينة للإبحار الآمن- فمن الواضح أن ما زاد الطين بلة هو عدم تطبيق قواعد الأزمات وشروط السلامة أثناء الإبحار في مثل هذه الحالة وما يشابهها من العبارات البالية والتي عفي الزمان عليها وأتي بالتلف علي معدات السلامة بها وعدم كفايتها وكفاءتها، وهنا يقع المحظور، إذ كيف يبحر الربان بسفينة معفاة من بعض شروط السلامة والأمان؟ وكيف يتأتي له الامتناع عن القيام بالرحلة مما قد يعرضه للمسائلة القانونية أمام الشركة المالكة؟ ثم كيف في ظل المحاذير والضوابط أن يتم التصريح لمثل هذا التابوت القاتل العجوز المتصابي أن يسمح له بالعبور والعمل في مناطق بحرية عميقة؟ إننا ننتظر الإجابة علي هذه الأسئلة من السادة مسئولي الأمن والسلامة البحرية وهي جهة الاختصاص التي صرحت لهذه السفينة بالإبحار وهي غير آمنة فعليا وغير مطابقة لقواعد السلامة البحرية الدولية. ولم تتبع الهيئة ومعها جهة التسجيل وجهة التصنيف المنظومة الفعلية من إجراء المعاينة الواقعية للبدن ولباقي تجهيزات ومعدات السفينة قبل رحلة الإبحار؟ إنه من الواضح عدم تطبيق أي من الشروط الثلاث السابق ذكرها عاليه لسبب أو لآخر سواء من قبل الربان وهو يمثل الشركة المالكة والذي قيل أنه أكتفي بغلق الأبواب وأوصد منافذ العبارة أمام الركاب خوفا من هلعهم وكان يظن بهذا الفعل الخاطئ أنه يحمي اتزان السفينة!!!، وما أن امتلاء بدنها بمياه الإطفاء والتي يمكن حسابها من أقوال الطاقم بأن عدد طلمبات الماء الداخل كان بعدد إثني عشر طلمبة قدرة الواحدة يتراوح بين30إلي40 متر مكعب/الساعة، وكانت مدة التعامل هي ساعتين وقيل في أقوال أخري ثلاثة ساعات، ولعدم توافر طلمبات النزح والتي تعمل بقدرة من 50إلي60مترمكعب/الساعة، نتيجة عطل طلمبات السحب والتي لم يعمل منها سوي اثنين فقط وكذا بلي وتآكل وسؤ حالة الأنابيب وانسداد الفتحات النازحة للمياه فإن المياه المحتبسة داخل عنبر السفينة يصل إلى ما يربو عن 750 طنا في المتوسط ، مما أحدث هذا الوزن المضاف إزاحة أفقية لمركز ثقل السفينة وترتب عن حدوث السطح الحر داخل عنبر السفينة والتي تشبه ملعب الكرة من حيث عدم وجود قواطع سدودة للمياه داخل منطقة الجراج حتي يسهل دخول وخروج البضائع، فإن انقلاب السفينة هو المتوقع في ظل تراكم الأخطاء والتي تواتر حدوثها تباعا مع عدم مقدرة الربان علي إتخاذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح، وأكتفي بالتحدث مع الشركة والتي طالبته بإكمال الرحلة وإحداث المجزرة البشرية لهذا الكم من البشر، حتي أنه لم يتم خلال مدة الساعتين أو الثلاث إنزال قوارب النجاة والرماثات والتي من الواضح لم تكن بالكفاية لهذا العدد الكبير من الركاب (طبقا لنص المعاهدة الدولية لسلامة الإبحار في عرض البحر يجب أن يحتوي في كل جانب من جوانب الوحدة البحرية علي عدد من قوارب النجاة والرماثات بما يسمح لجميع الركاب والطاقم من استخدام هذه القوارب من جهة واحدة حال الحاجة إليها)، إلا أن الشركة المالكة قامت بزيادة عدد طوابق السفينة دون زيادة عدد قوارب النجاة وعدد الرماثات. كما وأن هذه الزيادة أدت إلى حدوث صعود مركز الثقل إلى أعلي مما يقلل من فرصة النجاة ويعيق سلامة ومقدرة السفينة علي مقاومة الغرق والانقلاب نتيجة قلة غاطسها ونقص ذراع الإستعدال وصعود مركز الثقل إلى أن يتطابق مع النقطة الفراغية البينية (تعرف هذه النقطة بأنها مركز يتأرجح حوله بدن السفينة عرضيا وطوليا مثل نقطة مركز البندول في ساعة الحائط). مما يجعلنا في حالة من الدهشة وهي عدم تطابق خطة مقاومة الطوارئ وشروط الأمن والسلامة والإبحار الآمن والذي نجم عن تخبط قرار الشركة المالكة وقرار الربان بالإفراج والاستعانة بالركاب بتفريغهم من داخل كبائنهم وتجميعهم في جانب دون الجانب الآخر لهو مثال صارخ علي التخبط واللامبالاة بأرواح البشر والركاب والطاقم أيضا. فلو تم إجراء تطبيق المعايير الفنية وشروط الصلاحية وباقي المقومات الثلاث السابق ذكرها عاليه لما غرق هذا الكم وذاك العدد. فطبقا لشروط اتحاد هيئات التصنيف الدوليةICS" "-1994، فإنه يلزم جهة الترخيص والجهة المالكة بما يلي كل فيما يخصه من الواجبات :-