Picture, "Gaza Saber", by Shareef Sarhan.
ليس هربا من الموت ولكن إصرارا على الحياة
" قصة حقيقية من قلب غزة "
بقلم : محمود مصطفى البربار
ناشط شبابي
غزة – فلسطين .
صحيح أن هذا الجيل في غزة لم يعش هجرة عام 1967 ,إنما قرأ في الكتب أو سمع من جده وجدته عنها, التي هاجر فيها الفلسطينيين تاركين بيوتهم وأموالهم وأراضيهم هربا من الموت, تحت قصف ورصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي, لكن... لم تكن هذه الهجرة الأخيرة ,فها نحن عشناها ثانية في حرب غزة (نهاية عام 2008 وبداية عام 2009 ) فها هي المأساة تتكرر هنا في غزة, كل يوم نكبة جديدة بين حصار ظالم وقصف لا يرحم وحرب قاتلة .
لن اروي قصة علمت بها من احد أصدقائي ولا حتى سمعتها على الراديو أو شاهدتها على التلفاز, بل عشتها حقيقة في غزة وهذا ليس حالي وحال عائلتي فقط بل حال أهل قطاع غزة من رفح حتى بيت حانون, من جنوبها إلى شمالها لم تفرق الصواريخ المسلح من المدني , لم أتوقع يوما أن أرى جنود الاحتلال في شارعنا أو حتى في حارتنا ,وللأسف خابت توقعاتي ...
بعد ما يقارب 10 أيام من الحرب على غزة ,بين القصف والتدمير وقتل كل شي حي ,المنازل هدمت, المدارس قصفت, سيارات الإسعاف ليست أمنة, وشهداء علو إلى السماء وجرحى مازالوا يعانوا الويلات, كل هذا ولم تبدأ مرحلة الهجوم البرى وعندما حان الوقت للهجوم بدأت المأساة الكبرى ....
كعادتنا في كل ليلة ننتظر الصباح حتى يصحو ,لأقبل أهلي على أنهم مازالوا على قيد الحياة واتصل بأصدقائي للاطمئنان عليهم وأحاول النوم في النهار وأصحو في الليل وأحيانا ابقي أيام وليالي لا أرى فراشي خوفا من القصف أو حرق البيت من القنابل الفسفورية الحارقة.
وفى إحدى الليالي كانت المفاجأة ... سمعت الأصوات تعلو في حارتي, صوت الرصاص وصوت مدافع الدبابات بشكل كثيف وقريب جدا, لم نستطع النظر من الشباك لنرى ماذا يحدث ؟؟ بدأت الحقيقة تختلط بالخيال, لأسمع صوت الدبابات تحت منزلي بالضبط ماذا افعل ؟؟ ماذا يحدث ؟؟ أين اذهب ؟؟ كلها أسئلة مجهولة لا اعرف إجابة عليها !!.
أنا اسكن في عمارة سكنية في الطابق السابع, فنزلت أنا وعائلتي إلى الطابق الأول خوفا من قصف الشقق السكنية العالية واعتلاء الأبراج من قبل جنود الاحتلال ,أمضيت ليلة طويلة جدا بين قصف الشقق السكنية وقتل كل من فيها, وتجول العشرات من الدبابات في المنطقة التي اسكنها وأصوات الرشاشات تعلو وتعلو تضرب أي شيء يتحرك, نظرت إلى إخوتي الصغار فوجدت الخوف الشديد يملأهم وأختي تبكى ولا اعرف ماذا افعل ؟؟ بكاء .. وخوف .. ورعب .. وصراع البقاء على قيد الحياة ..
عند ظهور الصباح بدأ الهدوء يعود نسبيا إلى المنطقة ,اعتقدنا أن الدبابات انسحبت وأصبحنا بأمان, لم نعلم أبدا أننا أصبحنا في المنطقة المحتلة, أي أن الدبابات والجنود قد اجتازونا وأصبحنا خلفهم ... بدنا بالتفكير ماذا نفعل ؟؟؟
اجتمع من بقي من سكان العمارة التي اسكن فيها في إحدى الشقق السكنية, حاولنا أن نفهم ماذا يحدث ماذا نفعل, ولكن كله غير معروف ومجهول, وبعد فترة أي ما بعد الظهر بقليل سمعنا صوت أناس يتحركون وصوت أناس يصعدون إلى عمارتنا, بدأ الرعب والخوف يشد قلوبنا فوجدنا طواقم الإسعاف والصليب الأحمر يعلمنا بضرورة إخلاء العمارة خوفا من قصفها أو تدميرها على سكانها وحرصا على حياتنا ... وكانت هنا المصيبة ....
سألت والدي الذي أمضى 15 عاما في سجون قوات الاحتلال الإسرائيلي, ماذا نفعل ؟؟ أنترك البيت كبقية السكان ؟؟ فكانت إجابته رفض ترك المنزل و أصر على البقاء فيه حتى لو هدموه فوقه ... بدأ السكان بمغادرة العمارة وكذلك العمارات التي حولنا, فوجدنا أنفسنا وحيدين في العمارة, فأقترح والدي أن نتركه ونرحل لأننا شباب, وخوفا من الاعتقال .. وهنا كان المفصل !!!