by Abdelrahman mahmoud | |
Published on: Dec 25, 2005 | |
Topic: | |
Type: Opinions | |
https://www.tigweb.org/express/panorama/article.html?ContentID=6792 | |
مقدمة لا شك إننا جميعاً ننظر إلى موضوع التقدم على أنه ذلك التحدى الهائل الذى يواجه مجتمعنا فى العصر الراهن، بل وسائر المجتمعات النامية على وجه العموم. وكثيرا ما سمعنا أو قرأنا عن أهمية تحقيق التقدم لعبور ذلك الحاجز الذى يفصل بيننا وبين مستقبل نأمل أن يكون أكثر إشراقاً. إلا إننا وفى خضم الأحداث – قد يضيع من بين أيدينا ذلك الخيط الدقيق الذى يفصل بين التقدم والتنمية، إذ أن التقدم فى حقيقته ليس إلا وسيلة لتحقيق هدف ما ... وهو الوصول إلى تحقيق تنمية دائمة فى المجتمع على جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها. غير أن هذه التنمية على درجات مختلفة تتفاوت فى تحقيقها الدول على أساس من درجة تقدمها. ولا شك أن مجتمعات العالم الثالث تأخرت كثيرا فى تحقيق التنمية أو فى الانطلاق نحو مسيرة التقدم بسبب ظروفها الخاصة فى العصور الحديثة من استعمار عسكرى واقتصادى وغزو فكرى ثقافى إلا إننا بدأنا نشهد إشارات تدل على إقامة هذه المجتمعات ومحاولاتها للحاق بركب للتنمية والتقدم . وفى إطار هذه المحاولات نجد أن هناك الكثير من الظروف والمثالب التى تعيق عملية التقدم فى هذه المجتمعات . هذه المعوقات نشأت أما من جهل الناس لذواتهم والتباس مفهوم الهوية عندهم وتأثرهم الشديد بالثقافات الأخرى مما جعلهم يميلون إلى استنساخها واعتناقها – استسهالاً- على الرغم من عدم ملاءمتها لهم ولواقعهم وظروفهم، وإما نشأت عن ذلك الموروث الثقافى من القيم والعادات التى أصبحت متأصلة فى مجتمعاتنا، ترسبت من فترة اضمحلال للوعى والقيم. وقد تنشأ أيضاً نتيجة لممارسات يومية تخضع لها هذه المجتمعات من محاولات لتغيبها عن الواقع أو إبقائها فى رغام التخلف والجهل لمصلحة بعض الحكام والمغرضين. الحقيقة أن التخلص من هذه الرواسب من العادات والممارسات التى تفيدنا إلى التخلف والانحطاط يحتاج إلى انتفاضة تامة من المجتمع على كافة مستوياته يحتاج إلى مراجعة للكثير من المفاهيم الخاطئة والأفكار المترسخة والممارسات التى تضر بالمجتمع وتعيق التقدم. ونحن الآن بصدد مراجعة بعض إشكاليات التقدم فى المجتمع المصرى خاصة والمجتمعات العربية بصفة عامة . الإشكالية الأولى: الهوية والانتماء الحقيقة أن الهوية، موضوع معقد بعض الشيء إذ أن هوية الشخص هى ذلك الشئ الذى يميزه عن غيره، ذلك الشيء الذى يكونه اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وماديا أى أن هوية الشخص هى كل ما تأثر به هذا الشخص من أحداث وآراء وأفكار وظروف أدت إلى تميزه عن غيره من الكائنات. وعلى ذلك فإن الهوية واقع مفروض علينا وليست بإرادتنا وهى فى ذلك تختلف عن الانتماء الذى هو شعور بالألفة نحو مكان أو فكرة معينة وبأنك جزء من هذه الفكرة. وقد يدور التساؤل حول أهمية موضوع الهوية فى الحديث عن التقدم وهل هناك علاقة جدية بينهما واعتقد أن العلاقة بينها وثيقة ولا تنفصم إذ أن التقدم يهدف إلى تحريك المجتمع من خطوة إلى خطوة ومن مستوىً إلى أخر وإذا كان هذا المجتمع لا يدرك هويته فإننا نجد أن كل الجهود نحو التقدم سوف تكون بلا معنى إذ أن تحديد هوية المجتمع هو الذي يوجه كل هذه الجهود إلى المنحنى الصحيح ويمتع التخطيط بين فئات المجتمع. وإذا كانت هوية فرد من الأفراد يستحيل أن تتشابه مع فرد أخر فربما يثور التساؤل كيف يتسنى لنا تحديد هوية المجتمع مع تباين هوية أفراده؟ إلا إننى أرى انه وعلى الرغم من تباين الهوية من فرد على أخر فى مجتمع معين إلا إنه يبقى فى النهاية ما يظل مكوناً رئيسياً للهوية يكون مشتركا بين أفراد المجتمع ويكون الخطوط الرئيسية للهوية الاجتماعية – وهنا تتبلور فكرة أن الهوية واقع أكثر منها انتماء . إن تحديد هوية المجتمع يفيد كثيرا جداً فى الحد من التنافر بين أفراد المجتمع تجاه بعض القضايا الخلافية فى هذا المجتمع، إذ أن التطبيقات العملية للقضايا الأساسية للمجتمع تعد هى المحك الرئيسى لهوية ذلك المجتمع إذ تحدد كيفية تعاطى المجتمع لهذه القضايا وكيفية تناولها وإيجاد الحلول لها. وعلى ذلك فإن الكشف على الهوية الاجتماعية لمجتمع معين هو أمر ضرورى ومبدئى للحديث عن تقدم هذا المجتمع وتطويره إذ إنها تكون بمثابة( البوصلة) التى تحدد لهذا المجتمع الطريق الذى يسير فيه وتعطيه القدرة على مواجهة التحديات التى تفرضها عليه الظروف . وإذا كان المجتمع المصرى ممزقاً بين عدة تبارات فكرية متنافرة تسعى لإقرار هوية معينة – إما علمانية أو دينية أو قومية- للمجتمع المصرى يقودها بعض المفكرين أو الكتاب فإن هذه المساجلات تظل بمنأى عن الاستقراء الحقيقى لهوية الشعب المصرى وتظل مجرد دعوة أو محاولة لنشر فكر معين أو مذهب ما. أما الهوية الحقيقية للشعب المصرى فتظل عملية استقراء موضوعى بحت لهذا الشعب، أفكاراً وعقائداً وتطبيقاً: استقراء ينزل إلى أرض الواقع ليعود إلى المرجعية الأولى لهذا الشعب – المتدين بطبعه - والتى تنبع منها أهم قيمه وأفكاره. وبناء على ذلك فالهوية أولوية اجتماعية وضمانه لمشروع نهضوى يلائم مجتمعنا ويرتقى به . الإشكالية الثانية: الثقافة والقيم إن مجتمعنا الآن يرزح تحت وطأة مجموعة من الأفكار والعادات التى نشأت وتبلورت فى عهد انتشر فيه التخلف والفساد وأصبحت هذه الأفكار والقيم مستشرية للغاية للحد الذى أصبحت معه من أهم عوائق التقدم فى بلادنا. والحقيقة إننا حين نناقش أى مشكلة من مشكلات العصر من فساد أو سلبية أو انهيار اجتماعى أو أخلاقى نجد مرده الأول هو تدهور الثقافة الأصيلة والقيم الرفيعة وغيابهما تحت كثير من القيم المادية الغربية والثقافات الضارة. وعلى سبيل المثال نلاحظ فى المجتمع انتشار ثقافة العنف بطريقة جعلت من العنف هو الوسيلة الأولى للتعامل فى المجتمع. نلاحظ أيضاً ثقافة تضييع الوقت أو كما يقال " قتل الوقت " أو ثقافة " التزويغ " من العمل ونجد أيضاً ثقافة امتهان كرامة المواطنين وثقافة الروتين وثقافة السلبية وثقافة الدروس الخصوصية وثقافة الرشوة وقد أصبحت ثقافة متأصلة- أو كما تسمى تأدبا إكرامية أو حق الشاى – كل هذه الثقافات الضارة والدخيلة على المجتمع تسهم بشكل أساسى فى إهدار كل الجهود التى تبذل من أجل تحقيق التقدم. إن هذه الثقافات الضارة نمت وترسخت فى المجتمع فى فترة ركود مر بها المجتمع المصرى فى عصر بائد تم تغييب الشعب فيه والقضاء على كل ما يمكن هذا الشعب من المطالبة بحقوقه وحرياته . إن أخطر ما فى هذا الموضوع أننا اليوم قد نحتفل بموظف شريف رفض رشوة وأبلغ عنها، ونقيم الدنيا ونقعدها لأن عندنا موظف شريف، فى حين أن الجهاز الإدارى للدولة – معظمه- لا يسير بغير رشوة أو إكرامية. لقد أصبح الحال مقلوباً وأصبحت هذه القيم هى الأصل وما يخالفها استثناء واضح. وأصبح كل من ينادى بالقيم الأصيلة يواجه بالسخرية- لأنه لن يصلح الكون – أو على الأقل بواقع اجتماعى منقلب على نفسه يعرف الحق ويسير وراء الباطل. إن ارتباط هذه المشكلة – القيم والثقافة – بالإعلام هو شئ مفروغ منه .وإننا إذا نسعى لتقدم فى المجتمع فإن هذا التقدم يجب أن يتواكب معه تقدم داخلى فى نفس كل منا فإذا كان أشخاص المجتمع يؤمنون فى داخل كل منهم بقيمة العمل، فلا تستطيع وزارة أو إدارة أن تصلح من وضع الصناعة أو الزراعة فى هذا المجتمع وإذا لم يكن الأفراد يرون بجانب أهدافهم المادية القريبة الهدف الاجتماعى البعيد بنقل المجتمع إلى مصاف الدول المتقدمة فلن يتحقق هذا التقدم وإذا لم يؤمن المواطنون بقضية وطنهم ويشعرون بها ويحاربون من أجلها .. فلن تقوم لهذا الوطن قائمة بعد ذلك. وهذه المهمة هب مهمة كل منا على المستوى الفردى ومهمة الإعلام على المستوى الاجتماعى فكل منا مطالب أن يبنى نفسه من الداخل، وأن يؤمن بالإيجابية لا أن يطالب بها فحسب، وأن يؤمن بقيمة الوقت والعمل فإذا أمن بهذه القيم فإن دوره أن ينشرها بين الآخرين وهذا فى رأيى هو الهدف من أى عمل جماعى أو مدنى؛ أن ننشر الأفكار والمعتقدات السليمة وأن نحاول أن نتجنب فى مجتمعنا الصغير – الأسرة أو الأصدقاء أو الشركاء – ما يوجد من أخطاء ومثالب فى المجتمع الأكبر ومن ثم يكون هناك أمل فى إصلاح هذا المجتمع وتغييره إلى الأفضل . الإشكالية الثالثة: المناخ السياسى من الملاحظ أن وجود الشفافية فى الحياة السياسية للمجتمعات النامية شرط أساسى للتقدم فى تلك المجتمعات , وإذا كنا نعانى فى معظم هذه المجتمعات من تخلف ظاهر فى التنمية، فإننا نستطيع أن نرجع ذلك، وفى شئ من التأكيد إلى المناخ السياسي غير الصحى المتأصل فى هذه المجتمعات وما درجت عليه من استبداد وعسكرة للمجتمع وتغيب له عن واقع التقدم . وبناء على ذلك فإننا لا نستطيع أن نفصل بين " التقدم السياسى " وبين كافة الجوانب الأخرى للتقدم – اقتصاديا واجتماعيا ... الخ – ذلك أن التقدم فى المجال السياسى هو المحرك الرئيسى للمجتمع الذى يدفع عجلة التقدم العملاقة فى كافة المجلات. وتبدو خطورة المناخ السياسى المنتشر فى هذه المجتمعات فى استشراء الفساد وانتهاك حقوق الإنسان وكبت لحريته وتغييب للفكر الحر بما يؤدى بالضرورة إلى انصراف الجماعة عن البحث فى مسائل التقدم والعمل من اجله لأنهم لن يفيدوا بشكل أو بآخر من هذا التقدم . هذا إلى جانب انصرافهم إلى ما هو أكثر فرعية وتفاهة وتخليهم بشكل أو بآخر عن الانتماء لهذا الكيان السياسى وعدم استشرافهم لقضاياه وهمومه . إذا كان الحال هكذا ... فإن إصلاح المناخ السياسى وتفعيل ديمقراطية حقيقية فى المجتمع وخلق حالة من الوعى السياسى بين أفراده هى الخطوات الرئيسية لحشد هذا المجتمع من اجل الاهتمام بقضايا التقدم والتنمية. وفى النهاية يجب أن يشعر المواطن بأنه جزء من هذا الوطن يستشرف قضاياه ويهتم بهمومه ويكون هدفه البعيد هو رفعة هذا الوطن وتقدمه وهذا لم يكون إلا من خلال شفافية النظام السياسى وصدق تعبيره عن المجتمع . الخاتمــــة كانت هذه الأفكار نتاج لمجموعة من النقاشات الطويلة والمضنية التى قام بها مجموعة من الشباب- منهم كاتب هذه السطور- لمناقشة قضية التقدم فى بلادهم وقد ناقشنا فى هذه السطور القليلة بعض القضايا الهامة فى موضوع التقدم آملين أن نكون -على جهدنا المتواضع- قد وضعنا لبنة أولى فى سبيل تقدم المجتمع. « return. |