by Ahmed AL Osoly
Published on: Dec 22, 2004
Topic:
Type: Opinions

آن الأوان.. لإزالة حدائق الشيطان

كم من مآس ومجازر ترتكب باسم الحروب علي مر العصور. والتاريخ خير شاهد علي ذلك. فبمجرد ان تقرع الطبول يستباح كل شئ من قتل وتدمير وحرق لكل ما هو أخضر ويابس.
وبعد ان ينقشع الغمام وتزول رائحة البارود وتسكت فوهات المدافع وتوضع السيوف في أغمادها وتنكفئ أسنة الرماح. لم يبق في الأفق المعتم وتحت السماء المحروقة والأرض المكلومة سوي الاشلاء والدماء والغرابيب السود ونعيق البوم والخراب وحدائق الشيطان.
اقول ذلك بمناسبة دعوة مصر ل 14 دولة مانحة تضم أوروبا وأمريكا وكندا واليابان لعقد أول اجتماع بالقاهرة أول يناير المقبل للاعلان رسمياً عن تفاصيل مشروع قومي لازالة الالغام الارضية بالصحراء الغربية بتكلفة مليار ونصف المليار جنيه والتي زرعها الحلفاء لوقف زحف قوات روميل أثناء الحرب العالمية الثانية.
الحقيقة ان مسألة الالغام أو حدائق الشيطان كما يطلق عليها البعض لأنها محاطة بأسوار واسلاك شائكة منعاً من الاقتراب باتت هاجساً يؤرق بال الشعوب المبتلاة بمثل هذه الالغام ومنها مصر التي تعد الاكثر تضرراً والثانية من حيث الترتيب عالمياً بعد أنجولا.
تقول الاحصائيات ان عدد الألغام في مصر حوالي 22 مليون لغم اغلبها في الصحراء الغربية بما يعادل 20% من حجم الالغام في العالم وهي منزرعة في منطقة تتجاوز 100 ألف كيلو متر من العلمين وحتي حدود ليبيا غرباً. وهي نسبة كبيرة تمثل الخمس تفتقدها مصر رغم أنها جزء من نسيجها وترابها. ولكن هذا هو حال الحروب. وما تخلفه من دمار وخراب ووقف للحال. وذلك لأن مثل هذا الكم الهائل من الالغام جعل الاقتراب لتعمير مثل هذه المناطق من الأمور المستحيلة. وأي اقتراب منها يعد بمثابة المغامرة المحفوفة بالمخاطر لذا حرمت المنطقة من الخدمات ومن الاستغلال لمواردها الطبيعية وخيراتها المتعددة: فهي تحوي وفق التقديرات المبدئية خزانات وآباراً جوفية صالحة للري لاكثر من مائة عام ولزراعة اكثر من مليوني فدان وتواجد 8.4 مليون برميل بترول خام تقريباً و4.5 تريليون قدم من الغاز الطبيعي. بالاضافة إلي المعادن والمواد الخام وغيرها اذا ما اتيحت الفرصة لمزيد من الاستكشافات اذا ما تم الانجاز للمشروع.. عموما المشروع أعدته وزارات التخطيط والتعاون الدولي والمالية والدفاع والجمعيات الاهلية لا يقتصر فقط علي ازالة الالغام وانما استغلالها بعد نزع الالغام منها واستصلاح مليوني ونصف المليون فدان بالساحل الشمالي ككل وتوطين مليون ونصف المليون نسمة وتوفير آلاف من فرص العمل للشباب بتكلفة 60 مليار جنيه ويستغرق انجازه 20 عاماً تقريبا نظراً لضخامة المشروع وأهميته والمرجو من ورائه.
نتمني ان تسارع الدول المانحة وتفي بما قطعته علي نفسها من وعود لتنمية هذه المساحات الشاسعة المحرومة اذا ما اضيفت اليها الغام سيناء والتي قدر لها ان تكون في معزل عن مصر الأم والتي دفعت الثمن عقوداً من السنين لحرمانها من استغلال مواردها وخيراتها. الأمر الذي جعل الحكومة المصرية تصر علي مطالبتها بالشق القانوني للتعويضات المدنية وللضحايا والذين يقدروا بالمئات وتساعدهم مادياً واعادة تأهيلهم بدنياً ونفسياً. بالاضافة إلي التعويض عن سنوات الحرمان من الثروات والخيرات والاستغلال.
لقد آن الأوان لأن تعود هذه البقعة الغالية لأحضان الأم الدافئة وحان الوقت للتنقيب عن الخيرات المدفونه أسفل حدائق الشيطان ولعل ان تكون هذه المنطقة البكر عوضاً لنا عما فات ومن يدري قد تكون الكنز السحري الذي طالما انتظرناه. قد تكون سلة القمح كما كانت أيام كليوباترا وحكام الرومان. قد تضع مصر في مصاف الدول الاكبر انتاجاً للبترول أو الثروات المعدنية.. الحقيقة هذا المشروع واعد وعظيم لأنه سيضيف لنا أراضي وثروات جديدة. وهذا لم نتأكد منه إلا بعد ازالة الالغام كي نتمكن من التنقيب في هذه الارض واخراج أثقالها. لقد آن الأوان كي ندمر حدائق الشيطان. وان نعيد الابتسامة إلي الهضاب والماء إلي الأودية العطشانة. التخطيط السليم والنظر إلي المستقبل هو أمل مصر الواعد.
نتمني ألا يتقاعس رجال الاعمال والمستثمرون عن مد يد العون والاستثمار في هذه المناطق الواعدة بسواعدنا سنحول حدائق الشيطان إلي جنات وبساتين وحدائق للخير.!!


« return.