by رداد السلامي
Published on: Jul 4, 2010
Topic:
Type: Opinions

أيش تشتغل ؟
سؤال سمعته من الكل من كل فرقاء السياسة، ومن لديهم إعمال، ومن يمارسون الإزاحة حين تقرر ان تعمل في صحيفته وهؤلاء في كل مكان لديهم وظائف متعددة ، يسدون الفراغ ولو بحضور عادي.
إن أسوء شيء أيضا أن يتكرر السؤال ممن يعرف مسبقا انك بلا عمل ، وأنك طالب بالكاد سيكمل الجامعة ، نتيجة احباطات أعاقت قدرتك على أن تتخرج مع زملائك ونتيجة ظروف أحالت طموحك إلى أحلام ورغم ذلك أنت أنجزت ما لم يستطع البعض إنجازه ، فالبقاء الحر والصمود في وجه واقع صيغ على هذا النحو هو إنجاز بحد ذاته ، أن تبقى ضمن شروط تسمح لك بالتحدي ، وفي مساحة المراوغة القادرة على استكشاف العفن الذي يدار من خلف الكواليس لأهداف لا تصب في مجرى وطن لكل أبناءه فهو إنجاز لا يمكن ان يكون بأي حال من الأحوال سوى تفوق وإن دق البعض على معزوفة ..أيش تشتغل؟
لو أن الذي يسأل هذا السؤال كان واعيا بالواقع لما بادر ليسأل هذا السؤال ، فواقع لا يمنحك البقاء فيه على النحو الذي تغدو معه مالكا لارداتك ووعيك الكامل لا يمكن أن تسأل من يحياه ايش تشتغل ؟ لأن هذا السؤال الممل الذي غدوت معه احتقر السائل تماما ،كما من صاغ هذا الوضع لا يؤهلك لأن تصبح فاعلا بقدر ما يخلق فيك العجز ويخرس الأمل ، ماذا تريد أيها السائل أن تقول بالضبط ما هدفك ، إن المتتبع للوضع ومن يرى كيف تدار البلاد لا يمكن ان يسأل ايش تشتغل ؟ كما أن رجل أداته القلم ومهنته الكتابة لا يعني انه بلا عمل ، بقدر ما يجتهد في حدود قدراته ويحاول قدر الإمكان تفتيق الوعي وإنعاش الشعب وتنويره ليغير وضعه ويدرك واقعه ومصدر مشاكله وجوعه وما هو عليه من بؤس .
العاطل عن العمل في المجتمع يعاني من هتك لضميره أي أنه في وضع تكون فيه رؤيته لقيمه الذاتية مغشاة دائما بالضباب.، وهدف السائل ليس القصد منه سوى إيجاد نوع من الإرباك والألم الذي يفقدك القدرة على التفكير الواعي ، إنه يتعمد فعل ذلك ، وتدرك مراميه تماما الأمر الذي يجعلك غالبا لا تأبه بذلك السؤال الفج الذي يتعمد من يلقيه فقط التسلية والاستمتاع بحالة الفراغ التي يراك فيها من وجهة نظرة ، الكتابة غير مفيدة في هذا البلد لأنها ارتبطت بمسألة البيع والشراء ، كما أن السياسي سيبيع غدا ربما سياسته لمن يقدم له لقاء تفكيره ، هذا هو واقعنا النضالات توأد لأن الكتابة أضحت مشروع مساومة وليس مقاومة ، ولأنها غدت تنحو نحو المنطقة الرمادية التي تتماهى مع طبيعة منظومة الحكم السائدة ، وتتكيف مع المصالح الذاتية ، ولذلك ستجد ان الكاتب الحقيقي ملغي حتى من تفكير دعاة التغيير والنضال ، ومقصي دوما وعلى حافة المعاناة التي تميت كل يوم قدراته وتدفن أشواقه وتطلعاته المتناغمة مع التطلعات الجماهيرية وأحلامها الكبرى .
ذات مرة كتبت أن المجتمع بحاجة إلى أن يخلق على ضوء واقعه المر أدوات تعاونه وتعاضده مع بعضه ، وبالتالي فإنه في مسعاه نحو التغيير وتحقيق الشراكة الوطنية يؤسسها واقعا فيما بينه على شكل تعاون, تكاتف اجتماعي، يمكنه من تجاوز حالة التشضي والتفكك ، والفتك بضميره الجمعي والفردي إلى تكوين قيم نضالية جماعية واعية قادرة على الصمود ومواجهة سياسة التفريق والتمزيق والانقسامات والتجويع والتركيع الفردي والجماعي التي يصنعها النظام بغرض تشتيت قوة المجتمع للحيلولة دون التحامه وتقويضه وبناء أسس دولة وقيم وطنية جامعة " .
إن الذي يسألك أيش تشتغل ليس الا مجرد هازل أغراه وضعه وما هو عليه من بذخ ربما أشعره بفراغه حين رآك على الاقل لا زلت تكتب وتقول للناس شيئا يستحق ان يقال ولذلك أراد تجفيف قدرتك على ذلك تحت وطأة الشعور بتفاهة ما هو عليه .
يقول أحد القراء حين ضاقت فتمنيت الهجرة ذات يوم يارداد ، إن ماتكتبه يخترق الحجب المظلمة كشهاب من نور ونار .. وما تكتبه يخاطب العقول ويستقر في الضمائر وسيثمر لا محالة ، فلا تستعجل القطاف ، ولا يدفعك أعداء الحرية وأعداء الحياة وأعداء الإبداع ، وأعداء النجاح إلى اليأس ، أو التفكير في الهجرة فهذا هو مايريدونه تماما " ويضيف :" إن معادلة إبقاء الأوضاع السيئة في اليمن ، وفي المنطقة العربية كلها ، تقوم على مبدأ بسيط جدا ، ولكنه فاعل جدا ومدمر بلا حدود ، وهذا المبدأ هو : إفراغ المنطقة من قوى التغيير الايجابية أولا بأول ، بحيث لا تتراكم أي قوى تغيير جادة وتصل الى الحد الذي تشكل معه تيارا يجرف أمامه كل السوء القائم ؟ ولكي يعمل هذا المبدأ الجهنمي بكفاءة ، هناك إتفاق ضمني بين شياطين الداخل وشياطين الخارج على رصد ومحاربة وتطفيش كل العقول الخلاقة والضمائر الحية ،التي هي أساس أي تغيير ، فإذا عجزت أساليب الاحتواء والبيع والشراء في كسب هذه العناصر ، لا يبق الا تهميشها ، أو قمعها ومضايقتها لدفعها الى الرحيل ، وهكذا دواليك جيلا بعد جيل .. فقل لي بربك بمن سيتم التغيير ؟؟ مكانك حيث أنت يارداد .. وتذكر أن أكثر ساعات الليل حلكة وظلاما هي الساعة التي تسبق إنبلاج الفجر مباشرة" ووعدا لهذا القاريء أننا سنبقى ممسكين بأقلامنا حتى تجف أرواحنا من أجسادنا ذاك وعد لا نخلفه.






« return.