by Adel Gana
Published on: Nov 24, 2009
Topic:
Type: Opinions

أختيرت بيروت هذا العام عاصمة عالمية للكتاب، وهي تستحق أن تكون كذلك، فتلك مدينة مازال فيها من يحلم بالكتب، ومن يكتب، ومن يطبع ومن ينشر، وبالتأكيد من يقرأ أيضا؛ قصة حدثت معي الشهر الماضي في هذه العاصمة وأنا جالس في إحدى المقاهي مع بعض الأصدقاء فإذا بي أبصر على الطاولة المجاورة كتابا وتساءلت إن كان صاحبه قد نسيه، غير أن صديقي حمله وقدمه لي وشرح لي أنه يدخل في إطار مشروع إسمه "لقيت كتاب" يسعى لتشجيع القراءة في المجتمع من غير تكاليف الشراء، وعلى كل شخص يجد الكتاب أن يقرأه ويكتب اسمه ورأيه على استمارة مرفقة بالكتاب ويضعه في مكان مختلف ليجده شخص آخر وهكذا يمكن للأشخاص الذين قرؤوه أن يتناقشوا حول مضمونه وقس على ذلك مع مئات الكتب، وبقدر ما أعجبتني الفكرة بقدر ما تألمت وساورتني كوابيس حقيقة القراءة في وطننا العربي، فالقارئ في وطننا العربي يؤول إلى الاختفاء ودعني أذكر رقما قدمته الـUNESCO سنة 2008 حين قالت أن 100 مليون شخص في الوطن العربي لا يعرفون مسك القلم، ما يعني أن 30 بالمائة من شعوب الوطن العربي محرومون من نعمة القراءة، وأضافت دراسات عربية أخرى أن مجموع المواطنين العرب لا يتجاوز معدل قراءة الواحد منهم الـ10 دقائق خلال سنة كاملة... بما لا يكفي لقراءة بضعة أسطر!! واسأل نفسك في ماذا يقضي "العربي" بقية وقته؟ ولتبعد عن ذهنك أحجية التلفزيون والانترنيت والشغل وغيرها من الأسباب الموجودة في العالم المتقدم والمتأخر على حد سواء...

إن إشكالية ضعف المقروئية في وطننا العربي متشعبة الأسباب وقد يكون السبب المادي أكثر حدة فارتفاع أسعار الكتاب قياسا بالدخل الفردي للمواطن العربي الذي في أغلب الأحيان يكون محـدود الدخل أو فقير أو بطال وما أدل على ذلك أن أكثر من سبعين في المائة من الشعب العربي تحت مستوى خط الفقر، غير أن هناك أسباب لا تقل أهمية عن ذلك، فعدم التركيز في تربية النشء على حب القراءة والكتابة يعد أحد أسباب ضعف مقروئية مجتمعنا، وما يحدث بمؤسسات التربية والتعليم العربي والتي تكاد تكون خالية على عروشها في عدم الاهتمام بالمكتبات المدرسية والجامعية وتطويرها لتكون المنهل المعرفي لقاصديها، وعدم تكريس عادات القراءة مع التحفيز، وحتى وإن وجدت هذه المكتبات فأغلبها يظل مغلقا طوال السنة أو منطويا على عناوين تتحف الرفوف وما عادت مادتها تفي بالغرض المطلوب، زيادة على ذلك فإن عدم الترويج للكتاب يزيد من حدة المعضلة، فالكثير من الكتب الهامة تصدر ولا يعرف عنها المواطن العربي شيئا لأن وسائل الإعلام لم تلتفت إليها ولم تقدمها للناس. إن صناعة الكتاب –في أيامنا هذه- أصبحت كأي صناعة أخرى تحتاج هي الأخرى إلى إشهار وترويج، ولن تنجح بغير ذلك، فكم من كتاب حمل أفكارا بسيطة لكنه انتشر بين الناس وحقق مقروئية كبيرة لا لشيء إلا لأنه وجد من يروج له وكم من كتاب قيم ظل حبيس غرفة صاحبه لأنه لم يجد من يقدمه للناس.

إن المسؤولية الكبرى تقع على الدول العربية التي يجب أن تنظر للموضوع نظرة إستراتيجية ولا تنتظر أن يتم ذلك بالصدفة، إنما يجب أن تسن له القوانين والخطط ذات الأولوية التي تتبناها النخب المثقفة المستنيرة، وتطبقها الحكومات عبر مؤسساتها مجتمعة، بداية من الأسرة، إلى المدرسة والجامعة إلى المراكز والنوادي ودور الثقافة إلى المحيط عبر التحسيس بضرورة القراءة وأهمية الكتاب وتسهيل الوصول إليه، إلى الإعلام الذي يجب أن ينحاز في بعض برامجه إلى المعرفة بدل الإسفاف والميوعة، كما أن صرف الأموال على نشر القراءة للجميع بحيث تتحمل الدول العربية الميزانيات بإيصال الكتاب بسعر رمزي للمواطن سيساعد لا محالة في نشر الوعي وتكريسه، وخلق مبادرات الشعب القارئ، ما يعني أننا سنصل إلى مساحات كبيرة في الإدراك والتعامل مع الأحداث الداخلية والخارجية، وأن الحرب على الجريمة والإرهاب وانتشار المخدرات لا يمكن مكافحتها إلا بوعي جماعي، ومن هنا يظل الكتاب والوسائل المساعدة له في نشر ثقافة السلوك السوي قيمة ذاتية لا تقل عن المكاسب الاقتصادية وتوفير الضروريات الغذائية والصحية.

خلاصة حديثي هو أنه ما لم تعجل دولنا العربية عبر مؤسساتها المختصة والجامعات والأساتذة والمعلمون والمربون والمؤطرون ومحبو المعرفة، ما لم يعاد النظر الدقيق الجدي في نشر الكتاب والتخطيط له نصا وشكلا وثمنا وتقديرا واحتفاءً... ما لم تهيئ المكتبات في كل مجموعة سكنية وتدعم بكتب قيمة... ما لم يغزو الكتاب البيوت والنوادي والحدائق العامة وقاعات الانتظار والمقاهي... ما لم نسارع ونعي خطورة هذا الوضع... ما لم نقتنص الفرصة الفريدة في شبه حملة جماعية فاعلة فمآلنا المحتم هو البقاء ضمن مصاف دول العالم الثالث أو حتى الرابع... قد يكون مشروعا طويلا ومتعبا ويحتاج إلى المال والخبرة والزمن وقد يستغرق عقودا ولكنه الطريق الوحيد لتخليص مجتمعنا من أميته القاتلة وتخلفه الرهيب.



عادل قانة
أوت 2009


« return.