فاصل قصير ، ويبدأ آخر أطول ، وزمن سيأتي ليس كهذا الزمن ، حقبة نحياها ، على أمل أن يكون الوضع يوم أفضل.
على افتراض أن الذي حدث كان مشهدا تلقائيا ، تم الإعداد له ، لكن ألا يستحق مشهدا كهذا أن يبعث على الألم على هذا الطفل ، وعلينا جميعا ، وعلى "كمبارس" المشهد ، ومخرجيه.
العلك هي مستقبل الطفل ربما ، وصناع المشهد حقراء بما يكفي لأن يخلقوا مشاهدا كهذه لا تحتاج إلى تمثيل لأنها مشهدا تراجيدي واقعي محزن يتعرى على الأرصفة كل يوم .
الإتيان برسالة تثير الشفقة على مرسلها ، وعلى الرسالة ذاتها، ومستقبلها ، والوطن برمته ، مشهد أريد له أن يكون مشفرا بحيث يستوعب دون أن يشعر المستقبل أنه معد أصلا.
قبل أن أأتي إليه ، لآخذ الـ500ريال كما هو معتاد دائما ، كنت قد اتصلت به ، وقبلها كنت قد أخبرته بشيء حول ذلك ، ذات ليلة بلا عشاء ، قلت له على ماسينجر الياهوه ، يا عزيزي أنا جائع ، هل أأتي إليك لتعطيني الـ 500 هي ما اعتدته منك ، اعتراف ضمني بتفوقكم كونكم من جغرافيا حاكمة بلا ثروة ، تمنحون الناس فيما نحن القريبون منها نأخذ منكم ، وتمنحوننا منة منكم ، ونصدق أنكم ذوي شهامة وكرم وقبائل ..!! حالنا كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ : والماء فوق ظهورها محمول، كما قال الشاعر .
هو يريد أن يبدو ذكيا ، يحتقرك بطريقة مشفقة ،في الوقت الذي يمنحك ،وأنت تسخر منه،في الوقت الذي تأخذ منه ، لكنك تفعل ذلك كلما ضاقت تماما ، كما هو جائز لإنسان جائع في خبت مقفر أن يقارب لحم الميتة مضطرا.
اللص يسرقك ، ليتصدق عليك ..!! لعبة تدركها ، ويدركها ، هي بالنسبة إليه مسلية ، وبالنسبة لك مؤلمة ، لكنها لن تستمر على هذا النحو ، فالواقع سيخلق شروطا جديدة ، ومعايير عادلة ، هذا أملنا الذي يجعلنا أكثر ثقة بالغد.
كان منظر الرسالة"الطفل" يبعث في المشاهد المستقبل لمضامينها ، يبعث على الرثاء ، وليس الاعتزاز ، فشموخه مفتعل مشترى ، لأداء دور بطولي في مشهد لا يجسد الحقائق .
دلفت إلى المكتب ، فيما السيناتور كاتب "السيناريو" والمستمتع برؤية إبداعه الغبي ، المستعلي، يقلب أوراقه ، كان يجلس على كرسي دوار تفوح منه رائحة عطر باريسي مغري ، لم يكن متقشفا كما يحاول ان يقول ذلك ، فيما يجلس أحد لاعبي الدور الكومبارسي على الكرسي المحاذي للنافذة ، بعد أن سلمت جلست وتبادلنا كلمات المجاملة المعتادة ، وفجأة يدخل البطل الصغير –الرسالة – وبيده باكت علك ، قام الرجل الذي يؤدي الدور الكومبارسي بإعطاء الطفل عشرة ريال ، دون أن يأخذ منه علكة ، وكبطل شريف يرفض الطفل أن يأخذ ذلك ، ويرد العشرة الريالات ، لأنه لا يريد صدقة يريد أن تشتري منه ، أخذت العشرة وقلت للطفل ، خذ العشرة وأنا سآخذ العلك ، فقال :لا، بعشرين ، قلت له طيب خذ العشرة ودسستها في جيبة ، وبشموخ واعتباط مفتعل يخرجها من جيبة ويضعها ، لأنه لايريد صدقة فهو يعمل في بيع العلك...!!
مشهد ناقص الشرف والشموخ ، ومسكين أنت ايها الطفل " الرسالة " ، ومسكين أنا، ومسكين من يجعلك بطل ، في دور لا يجسد سوى الزيف، ومسكين هو الوطن.
الرسالة كانت واضحة بالنسبة لي ، والمشهد متوقع ، لكنك حين تكون عاطل عن العمل ، ما عليك إلا أن تقارب الجيف مجبرا تأخذ منها ما يسد رقمك ثم تمضي ، ذاك أمرا مباح شرعا ..!!
إنه نوع من الإهانة الغير مباشرة للمثقف ، وتحقيرا له ، وضربه "تحت الحزام " بطريقة حقيرة ، تمتهن من قيمة حملة قيم التغيير والثورة ، الذين يجابهون العزل ، وتغزل حولهم ألغازا حقيرة..!!