by Adel Gana
Published on: Nov 20, 2008
Topic:
Type: Opinions

عادل قانة
القاهرة في 13/11/2008

".... هو إنسان ذو بعد واحد، فاقد الهوية، صاحب نزعة استهلاكية، قليل الحساسية تجاه الغير، يعاني عزلة وضياعا، أسير المرحلة الراهنة والأمر الواقع والتوقيت المخيف والسرعة الفائقة والوقائع السريعة الكفيلة بأن تنسيه ما قبلها، وتتركه يتحفز لما بعدها أي تتركه يعيش في دوامة من النسيان والانبهار باللحظة الراهنة..." هذا ما قدمته مدرسة فرانكفورت الألمانية في توصيفها للشباب المعاصر وهي الصورة التي وإن كانت في بعض بلداننا العربية جلية وواضحة، فإنها في البعض الآخر تكون خفية بحكم احترام ما تبقى من أعراف وتقاليد المجتمع الذي ينشأ فيه الشاب.
إن الناظر للشباب العربي وتركيبته الحالية يتأكد له أن لهذه الممارسات معنى وحيدا هو أن الشباب لم يعد يقتنع بالعادات والتقاليد والأعراف والخطوط الحمراء التي رسمها مجتمعه عبر الأزمان، وهو بهذه الصورة التي نراه عليها يسير بخطى متسارعة نحو تحطيم تلك المبادئ التي يرى فيها عائقا أمام تحقيق رغباته التي آمن بضرورة تحقيقها ولو على حساب شخصيته وهويته، ومخطئ من يعتقد أن جيل الشباب المعاصر قد ضيع المشعل وفقد البوصلة التي يسير بها إلى طريق التنمية والنهضة العربية ويلقي باللوم كل اللوم على هذه الفئة التي هي في حقيقة الأمر ضحية عدة عوامل.
الأمر في حقيقته هو اجتماع أسباب سهلت الوصول إلى هذا الوضع؛ فانطلاقا من النظم التعليمية والتربوية التي تلقن للطفل مع بداية دراسته مرورا بالبيئة التي يترعرع فيها الشاب والتوظيف الخاطئ للأعراف والتقاليد التي تولد في كثير من الأحيان جيلا مزدوج الفكر مكبوتا في كثير من الحالات ينتظر أي فرصة لتفجير مكبوتاته، وصولا إلى العولمة وما انجر عنها من تأثير عبر مؤثراتها المتعددة وبالخصوص الإعلامية منها لما لها من تأثير مباشر وكبير في التغيير الاجتماعي والثقافي للمجتمعات. كل هذه الظروف وغيرها جعلت جيل شبابنا اليوم جيلا استهلاكيا غير عابئ بتحديات التنمية وبعيدا عن هموم أمته العربية وثوابتها.
وعلى طريق تغيير هذه الصورة المتناقضة للشباب العربي يستلزم تضافر جهود المعنيين ويقينهم بأن الحل يجب أن يكون من داخل مجتمعنا العربي ولن يأتي من الخارج، وضرورة تقاسم الأعباء والأدوار بين دور الحكومات في إعادة النظر للبرامج التعليمية والتكوينية والتربوية لكل الفئات العمرية بالتركيز على ترسيخ مفاهيم التنمية والحفاظ على الهوية العربية مقرونة بالتطور ومواكبة العصرنة مع الأخذ بعين الاعتبار توحيد كافة البرامج عبر الوطن العربي بما يشعر المتعلم بالانتماء لوطن واحد والوطن العربي يزخر بالعديد من الطاقات والكفاءات في هذه الميادين قادرين على أداء هذه المهام بالصورة المطلوبة، من منظور آخر فإن إتاحة الفرصة للشباب وتمكينهم من بناء الوطن وإدارة دفة الحكم كفيل بتنبيه هذا الجيل بعظم المسؤولية التي تقع على عاتقه تجاه مجتمعه ووطنه.
أما الدور الثاني فهو دور المجتمع المدني من مؤسسات ومنظمات وجمعيات وأصحاب التأثير في المجتمع من أفراد وعشائر وينصب هذا الدور على التوعية، الإرشاد والتوجيه لكافة أطياف المجتمع وبالخصوص منهم فئتي الشباب (الفئة المعنية) وفئة الأميين من أرباب الأسر بضرورة إعطاء هامش من الحرية للشباب وخصوصا منهم فئة الإناث في تسيير حياتهم وتطبيق ما يحملوه من أفكار بعيدا عن شبح التعسف والكبت الذي في كثير من الأحيان ولد جيلا منفصما في شخصيته.
إن الحفاظ على الهوية العربية لشبابنا لا يكون أبدا من خلال الخطب الرنانة والمقالات المطولة، بل يكون من خلال التطبيق العملي لإحلالها فعليا في نفوسهم، وصياغة المادة العلمية والإعلامية والتعليمية والترفيهية لهم بلغة حضارية تحفظ هويتهم وتضمن مواكبتهم للعالم، والى أن تجد الهوية العربية طريقها الحقيقي إلى نفوس شبابنا تبقى أبيات الشاعر تنتظر من يتلوها:
بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان
ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان
فلا حد يباعدنا ولا دين يفرقنا
لسان الضاد يجمعنا بغسان وعدنان


« return.