by Reda Ibrahem Abdelgalil
Published on: Oct 21, 2008
Topic:
Type: Opinions

خلق الله سبحانه وتعالى الأعشاب على الكرة الأرضية قبل أن تطأها قدم إنسان، فهي الغذاء الأساسي لكل مخلوق، وبدونها لا وجود للحياة، ومنذ أن خلق الله الإنسان وجدت الأمراض التي تنتابه، وجعل له في الأعشاب الدواء للأمراض، وترك للإنسان العاقل أن يهتدي إلى الأعشاب الشافية من الأمراض بالدراسة والتجارب والاستنتاج.
وقد اكتشفت هذه الأعشاب الشافية من قبل رجال ونساء موهوبين من عامة الشعب، تطببوا بها قبل أن يقتبسها عنهم الأطباء والعلماء، الذين أخذوا يمارسون مهنة جمع الأعشاب وتحضير الدواء منها بأنفسهم .
وهذه الاكتشافات تعود إلى آلاف السنين حيث ان الإنسان تعرف على خصائص الأعشاب الطبية منذ آلاف السنين.
وقد نشأ علم التطبب بالنباتات فى العالم من الحيوان الذى كان يهتدى إلى علاجه بالغريزة، ومن هنا بدأ الإنسان فى مراقبة الحيوان وتعلم منه فنون العلاج فمثلاً لحظ ان :
الأغنام التى اصابها الإسهال تتناول جذور نبات "البابنوج" .
الذئب إذا مرض يحفر الأرض حتى يصل إلى جذور "السراخس" .
والثعلب إذا لدغته حيه ياكل نبات "الترياق" ليتوقف سريان السم .
القردة تحشو جروحها بأوراق نبات "البيجونيا" لاحتوائها على زيوت عطرية طيارة مطهرة للجروح وقاتلة للكثير من الميكروبات والجراثيم.
وكان قدماء المصريين منذ اكثر من خمسة ألاف عام، هم أوائل الشعوب التى اكتشفت أسرار التداوى بالأغذية والنباتات، فهم اول من اكتشفوا:
فائدة بذور الخلة واستخدموا خلاصتها المائية لإخراج حصوات الكلى.
كما عرفوا المر والصبر واستخدموها فى علاج الإسهال والصرع.
واستخدموا زيت الزيتون كعلاج ناجح للكبد والمرارة.
وصنعوا من الشعير المغلى شرابا مقويا مدراً للبول.
كما استخدموا الزعتر والنعناع لعلاج التخمة وآلام المعدة.
استخدم الكراوية والكمون والشمر والينسون والكسبرة لطرد الأرياح.
والحلبة كفاتح للشهية ومطهر للمعدة والأمعاء.
واستخدموا ماء الأرز المسلوق لعلاج تقرحات المعدة.
وماء الكرفس والشبت لتسكين آلام الكلى.
ومغلى رؤوس الذرة لعلاج نزلات البرد.
وعصير البقدونس لعلاج الربو والطحال.
وقد عثر فى إحدى أوراق البردى منذ 3500 عام على العديد من الوصفات الطبية لعلاج أمراض الجسم حسب ترتيب الأعضاء، وقد استطاع عالم الآثار الشهير "ايبرز" الحصول على هذه البردية حين حضر إلى مصر عام 1870 وهربها إلى انجلترا حيث استفادة منها أوروبا استفادة كبيرة.
وفى العصور القديمة، كان مقصوراً على الكهنة ممارسة التطبيب بالنباتات ، ثم ظهر إله الطب "أيمنحتب" وهو أشهر اطباء المصريين القدماء منذ الأسرة الثالثة الذى وضع نظام الطب الوقائى الذى عرف باسمه حتى الان.
ثم نقل اليونانيون عن المصريين القدماء كل العلوم العلاجية التى تعتمد الأغذية والنباتات والأعشاب، وطوروا فيها لتنتقل بعد ذلك إلى اوروبا وآسيا وألف علماء اليونان كتباً أشادوا فيها بعلوم الفراعنة، وأشهرهم "أرسطو، وهيرودوت".
وبعد ذلك بدأت طرق الوقايا والعلاج تتطور على أيدى الإغريق الذين أخذت عنهم أشهر الكلمات والمصطلحات الطبية التى تستعمل الآن.
وبمرور الأعوام، جاء "أبو قراط" العالم والطبيب والفيلسوف الشهير ليسود الطب العربى فى بلاد الدنيا.
ويعتبر المؤرخون أن الإمام عبدالملك البصرى أول من كتب عن النباتات والأطعمة وكيفية استخدامها فى سنة 102 هجرية.
ثم جاء بعده الخليل بن أحمد وألف كتاباً يحوى أسماء الأشجار والأعشاب والنباتات التى تفيد صحة الإنسان.
وعصر هارون الرشيد ألف أبو سعيد الأصعمى كتاباً عن النبات والشجر.
ثم أخرج أبو يوسف بن إسحاق كتاباً آخر عن النباتات والشجر.
ثم كتاب أبى على بن جزلة البغدادى"منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان".
وبعدها أصدر عبدالله بن أحمد الأندلسى كتابه "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" وهو أشهر من عالج بالأعشاب فى التاريخ وعرف باسم ابن البيطار.
واخيراً ظهر فى أواخر القــرن الثامن الهجرى كتاب "لسان العــــرب " لابن منطور الانصارى المصرى، وقد شمل كل ما عرف من علوم النباتات والأغذية والعلاجات الطبية التى ظهرت حتى ذلك الحين.
وكان من أشهر علماء العرب الذين وضعوا الأسس والمبادئ لتلك العلوم: ابن سينا- أبو بكر الرازى- جابر بن حيان- ابن رشد- داود الانطاكى- ابن الهيثم- أبو الصلت أمية- أبو على الحسن.
ومن المعروف أن التدواى بالعقاقير المستخلصة من الأشجار والنباتات قد بدأ عند العرب فى عصر الدولة الأموية فى عهد الحجاج بن يوسف الثقفى، والذى قام طبيبه الخاص "تيادوق" بوضع كتاب ضخم عن كيفية تحضير الأدوية من النباتات وكيفية استخدامها، وكان ذلك منذ أكثر من 1200 عام.
وفى عهد خالد بن يزيد بن معاوية تمت ترجمة الكتب التى تتناول هذا الموضوع على أيدى العلماء من اللغات اليونانية والقبطية القديمة إلى اللغة العربية.
وفى عصر الدولة العباسية أمر أبو جعفر المنصور مترجماً عرف باسم "البطريق" بترجمة كتب أبو قراط وجالينوس إلى العربية، كما قام الطبيب أبو زكريا يوحنا المسيحى فى عهد هارون الرشيد بترجمة الكثير منها وله كتاباً هاماً عن تركيب الأدوية والذى توجد منه نسخة فى جامعة اكسفورد بانجلترا.
وفى عهد المامون، أمر بترجمة مؤلفات أرسطو، وأبو قراط، وأفلاطون، وجالينوس، وديسكريدس. ، صاحب كتاب "الأعشاب النباتية فى الأدوية اليونانية" وهو يحوى سبعة فصول تقع فى ألف ومائتان صفحة تتحدث عن الادوية العطرية، والنباتات الطبية، والنباتات الشوكية، والنباتات الحريفة، وأدوية الحشائش والصموغ العلاجية، والأغذية.
عند نهاية القرن التاسع عشر لم تعد تستخدم الأعشاب الطبية كمواد خام للمعالجة، بل بدأ استخلاص المواد الفعالة الموجودة داخل النبات الطبي، وبدأ استخدام الأعشاب الطبية بشكل علمي، ومع بداية القرن العشرين تطور علم الكيمياء بشكل واسع، وأصبح هناك مواد كيميائية تخليقية جديدة ذات تأثيرات دوائية هائلة، وهنا ترك العلماء الأعشاب الطبية وتوجهوا نحو هذه المواد الكيميائية، وبدأ التداوي بالأعشاب ينطوي في عالم الإهمال ليحل مكانه التداوي بالمساحيق والأقراص والأشربة المستخلصة من الأجزاء الفعالة في الأعشاب، أو من المواد الكيماوية غير العضوية.
كما أهمل الأطباء استعمال أكثر الأعشاب الطبية واستعاضوا عنها بأدوية الصيدليات الصناعية والمستحضرات للسهولة، ولأن ذلك أدعى إلى ثقة المريض ورضاه.
هذه هى قصة التداوى بالأغذية والنباتات والتى يظهر فيها دور قدماء المصريين ودور علماء العرب، فى وضع أسس ومبادئ التداوى بالأغذية والأعشاب والنباتات التى سرقها الغرب وحقق بها ثروات طائلة هى من حق الشرق ومن حق علمائه الأفذاذ.
ولكن التاريخ كضوء الشمس، سطرت صفحاته بخيوط من ذهب لا يستطيع أن يطمسها أحد... ولا يمكن أن تطويها الأيام.

الطب الشعبى:
جمهور المستهلكين فى جميع انحاء العالم فى تزايد مستمر لاستعمال الدواء الطبيعى، وأصبحوا يثقون فيه أكثر من الدواء الكيماوى.
وقد اعتقدت بعض الأوساط فى البداية بأن هذه (العودة إلى الطبيعة) ما هى إلا نوع من التشوق للماضى والتى سرعان ما تزول، ولكن الحقيقة أن الناس أصبحوا يرفضون هذه الأعداد التى لا تحصى من الأدوية الكيماوية، لأنه ثبت أن هذه الأدوية لا تخلو من الأضرار الجانبية والنتائج غير المحمودة التى تجلبها إذا استعملت بكثرة أو لفترة طويلة بحيث تؤدى إلى عواقب ليست قليلة الخطورة على صحة الإنسان.
وهذا ليس معناه الرفض الكامل للأدوية الكيماوية الحديثة، والتى قد تنقذ حياة البعض عندما تفشل الوسائل الأخرى، ولكن إعطاء هذه الأدوية الكيماوية لأى مرض كان كالسعال أو البرد، أو التى تعالج بالمضادات الحيوية وبكمية كبيرة نسبياً، هذا العلاج معناه إطلاق مدفع لصيد يمامة، فنحن هنا لا نصطاد اليمامة فقط ولكن نقتل الشجرة التى تقف عليها اليمامة.
والوصفات الطبية القديمة التى عرفها الأجداد والتى عاجلوا أنفسهم بها بواسطة الأعشاب والنباتات الطبية جيلاً بعد جيل، قد ذهبت مع الأسف فى طى النسيان.
ونتيجة الآثار الجانبية الخطيرة لهذه المواد الكيميائية كان هنالك عودة للأعشاب الطبية، لكن هذه العودة (عودة علمية) بمعنى استخدام الأعشاب الطبية بشكل علمي وأكاديمي يتبع الأسلوب العملي.
ومن هنا نشأ طب الأعشاب، فهو باكورة الطب فى العالم، وعلى اساسه بنيت جميع أنواع العلاجات المعروفة حتى وقتنا هذا، وأجدادنا هم المستخدمون الأوائل لطب الأعشاب، وكم سمعنا أن كثيراً منهم عاشوا حياتهم وماتوا وقد ناهزوا سن المائة عام أو يزيد.
ولذلك وجب علينا أن نسلط أكثر من ضوء على طب الأعشاب والتداوى بها وكيفيه استخدامها أنسب استخدام، وكثيراً ما جمعت هذه الاعشاب بين الغذاء والدواء فى وقت واحد، وكم حققت هذه الدواءات ما أشبه بمفعول السحر بالذين استخدموها حتى فى عصرنا الحديث، واكبر دليل على ذلك هو استمرارها رغم ظهور الادوية الكيمائية الحديثة ومعامل الأدوية المتطورة.
ولذلك فإنه من الواجب علينا أن نضع ثقتنا فى الطبيعة، فإن الله لم يخلق أى شئ عبثاً مهما كان يبدو بسيطاً او تافهاً، فسوف تظهر علاجات لم تكتشف بعد بواسطة نباتات وأعشاب لم نكتشف قيمتها بعد.
ويجب التركيز على أهمية الاستشارة الفنية للطبيب الحضرى وإلا كان الاعتماد على العلاج العشبى وحده درباً من دروب التأخر والتخلف أحياناً، وهذا ما يجب أن نراعيه بدقة وأمانة.
وحان لنا أن نقول أن الإنسان طالما أمكنه علاج نفسه بطب الاعشاب دون الحاجة إلى الطب الحضرى المتطور فإن ذلك يكون من المستحسن، إلا لو اضطر للجوء للعلاج الحديث فلا حرج عليه طبقاً لطبيعة المرض، وطبقاً لما وهبه الله من فطنة وذكاء، والقاعدة الطبية العظيمة تقول (إن الإنسان طبيب نفسه).
والطب الشعبى معترف به فى معظم بلاد العالم حتى المتقدم منها فى العلم والمعرفة مثل أمريكا ودول أوروبا المتقدمة مثل انجلترا وفرنسا واسبانيا وكذلك باكستان والهند واندونيسيا وتعتبر دول "وسط وجنوب شرق اسيا" من أكثر الدول تصديراً للأعشاب والتوابل لدول العالم المختلفة، وهذه الاعشاب تدخل بطبيعة الحال فى تركيب جميع الأدوية والمستحضرات الطبية الحديثة.
. ومن أكبر مزايا الأعشاب أنها :
- رخص التكاليف وإمكانية الحصول عليها.
- معظم الأعشاب ليس لها أثار جانبيه إذا ما استخدمت بعلم ومعرفة .
- الطب الشعبى يسير جنباً إلى جنب بجوار الطب الصيدلى الحديث.
- طب الأعشاب لا يغنى إطلاقاً عن الطب الحديث.
الأعشاب الطبية منها ما يستعمل منه جزء واحد فقط للتداوي، كالأزهار أو الأوراق أو الجذور أو البذور، ومنها ما يستعمل كله، وعلى كل حال فإن جميع هذه الأجزاء منفردة أو مجتمعة يجب أن يتقيد بأوقات محددة من أوقات السنة وفصولها، وبشروط معينة. أيضاً حيث يكون الجزء المطلوب من العشبة أو النبتة في أوج حيويته، وأن لا يساء إلى هذه الحيوية بأساليب الجمع أو التجفيف الخاطئة، فتفقد العشبة أو النبتة البعض من خصائصها الطبية أو كل خواصها .
و من الأمور المهمة أيضاً في استعمال الأعشاب الطبية ألا يتجاوز المريض في استعمالات المقادير المسموح بها أو المطلوبة للتداوي. إذ كثيراً ما ينتج عن هذا التجاوز أضرار بالغة لا في استعمال الأعشاب والنباتات السامة فحسب، بل أيضاً في الأعشاب البسيطة غير السامة، وتعاطي الأعشاب الطبية لا يجوز أن يكون مصحوباً بفوضى علاجية، دون استشارات طبية في حالات الأمراض الجلدية. وهذا لا يقلل طبعاً من قيمة الأعشاب والنبات الطبية في التداوي.
إن الله سبحانه وتعالى سخر العلم لراحة الإنسان والاعتماد عليه ينجي الإنسان من مآزق كثيرة، ولا بد أن يتعامل المريض معه وفق أسس علمية، دون الاستكانة إلى وصفات أشخاص غير مؤهلين علمياً، بغية الوصول إلى الشفاء، فالمداواة العشوائية سواء بالأعشاب الطبية أم بالمواد الكيميائية أمر خطير جداً، ويؤثر سلباً على الإنسان وقد يضيع فرصة المعالجة الصحيحة.
إن العلاج بالأعشاب أشار علينا الرسول صلى الله عليه وسلم به فكيف نتخلى عنه ونبحث عن بديل وهو الذى قال عنه ربه "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى" صدق الله العظيم وصلى الله على رسوله الامين.
إن الداء بأمر الله فإذا أصاب الداء كان الشفاء بإذن الله ولابد للمريض أن يمهد لفعالية الدواء من الداء بكثرة الحمد والشكر والثناء والابتهال إلى الله الشافى المعافى مع كثرة الدعاء.
د/ رضا ابراهيم عبد الجليل
استشارى نظم ادارة سلامة الغذاء
0020106505752

« return.