by Samar Samir Mezghanni
Published on: Sep 5, 2008
Topic:
Type: Short Stories

على طاولة العشاء، في ليلة باردة من ليالي الشتاء، تجرأت على سؤال والدتي:" ماما، هل يمكن لامرأة وقرد أن ينجبا طفلا؟"
كنت في الخامسة عشر من عمري، أدرس مادة العلوم الطبيعية ككل التلاميذ، ومن المفترض أني تعلمت جيدا من أين يأتي الأطفال!! إلا أن ما درسته في المعهد لم يتجاوز بضع خطوط عريضة ومعلومات عامة حول الجنس... عفوا التلاقح! فالجنس كلمة لا تدرّس هنا... الجنس كلمة تدنس!
●●●

أنا شابة أحلم. قبل عدة سنوات بدأت أطالع بنهم. في كل ليلة تنفتح أمامي قبل النوم فضاءات تفكير جديدة وأنا أطالع كتبي وروايتي وتتركني أسبح في خيال الأدب اللاتيني وحكمة الأدب الياباني وتعقل الأدب الأوروبي. أنا شابة فضولية أتعطش للمعرفة دون أن أحدّها بالمراجع المدرسية.
عذب السؤال الملحّ رأسي العنيد وفي تلك الليلة تجرأت وسألت أمي. أجابتني محاولة أن تحافظ على هدوئها:" البشر ينجبون بشرا والحيوانات تنجب حيوانات وتلك هي "حكمة الله في خلقه" وكفى!!"
لم أتردد في سؤالها:" ولكن ماذا لو حدث "أمر ما" يسبب ولادة طفل من امرأة وقرد؟"
توقفت والدتي عن الأكل، مضغت اللقمة الأخيرة على مضض، حدقت في عيني في ريبة وشك، ثم قالت:" لا يمكن أن يحدث "أمر ما" بين إنسان وحيوان!"
أفلت ردّي رغما عني:" وماذا عن البشر الذين يمارسون الجنس مع الحيوانات؟"
●●●

أنا شابة لا أعرف حدودا لعقلي. قبل بضع سنوات، بدأت أسافر وأتعرف على شباب من كل بلدان العالم، من كل الألوان والأديان. اكتشفت حينها أن هناك أكثر من زاوية لرؤية العالم وأن الزوايا المختلفة عن زاوية نظري يمكن أن تكون هي الأخرى صحيحة. كنت مسجونة في منظور واحد. كنت سجينة بعد واحد حتى اللحظة التي عرفت فيها أن ذلك البعد ليس الوحيد. فهمت أن هناك آراء أخرى وأنها قد تكون صائبة حتى وإن كانت مخالفة لما علمته إياي أمي. أدركت أنه في الحقيقة لا توجد وجهات نظر صائبة أو وجهات نظر خاطئة... توجد فقط وجهات نظر.
●●●

ارتعشت يداها وهي تمسك قطعة الخبز بين يديها. ارتبكت نظراتها وضاعت في خطايا فضولي اللامحدود. تبعثرت الخطوط الحمراء هنا وهناك. غطى التمرد الصارخ لكلماتي فوهة المقدسات الثائرة. كشف الستار عن المسكوت عنه كجسد امرأة جردت من ملابسها. هنا.. جسد المرأة يقتل أو ينتهك حين يكون عاريا.
فضولي كان جسد امرأة!!
●●●

أنا شابة أتفتح كزهرة الربيع في أرض مليئة بالأشواك. يتحرر عقلي رويدا رويدا من كل الموروثات والتقاليد البالية وينمو بعيدا عن الأفكار المسبقة والقوالب الجاهزة. أنا شابة أضيع في نقاط الاستفهام التي أزرعها أينما أحلّ دون أن أجد إجابة عنها: "تلك هي حكمة الله في خلقه"... "ولله في خلقه شؤون"... "صه"!!
●●●

لا أعرف كيف ستكون ردة فعل والدتي حين أواجهها بأني أؤمن بمبدأ المساواة بين الأبناء الشرعيين والأبناء اللاشرعيين، أني أدافع عن حقوق الشواذ وأني أطالب بترسيخ ثقافة جنسية في عالمنا العربي. لكني أتوقع أن لا تكون ردة فعلها أقل مما كانت عليه في تلك الليلة.

أنا شابة في عالم كهول. أنا صغيرة في عالم صغير ولكن لا يزال يحكمه الكبار. أنا أفكر بشكل مختلف عنهم.. أنا أنام الآن هادئة بعد العاصفة التي أثرتها اليوم على طاولة العشاء.. أنام في سكون ولكن دون عشاء...

سمر سمير المزغني


« return.