by Adham Tobail
Published on: Jun 7, 2008
Topic:
Type: Opinions


من يسمع عويلك يا غزة ؟
من يسمع صرخات النساء الثكلا ؟
من يسمع أنات الرضيع اليائسة ؟
من يسمع استنجاد الصبايا المحترقة ؟
من يسمع دوي انفجار المنازل
والسيارات .
لا يخفى على أحد حجم الظلم السياسي والاجتماعي والنفسي والاقتصادي الواقع على الأطفال والشباب فى غزة ، فلا قائمة لضحايا الحصار نتيجة لنقص الدواء والغذاء، ولا قائمة للشهداء جراء العدوان الإسرائيلي المباشر على مدن ومخيمات وقرى قطاع غزة، تخلو من نسب مرتفعة من الأطفال الضحايا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد بلغ عدد الأطفال المرضى الذين قضوا نتيجة الحصار، نحو 41 طفلاًً، أي ما نسبته 35% من أصل 124 مريضاً هم مجموع من قضوا نتيجة هذا الحصار حتى الآن، فى اجتياح الجيش الاسرائيلى لمنطقة جباليا قبل شهر راح ضحيتها 30 طفل، كما وبلغ عدد ضحايا "محرقة غزة" الأخيرة من الأطفال 39 طفلاً، أي ما نسبة 30% من مجموع شهداء المحرقة البالغ عددهم 117 شهيداً.وأمام ما يعانيه سكان القطاع بشكل عام، والأطفال بشكل خاص، من هموم وآلام ترزخ تحتها الجبال، يخرج علينا بين الحين والآخر من يحرك قضيتهم، ويحاكي العالم بلغتهم، فأحياناً تكون بلغة الحيوان، لعدم فهمهم للغة الإنسان، وأخرى تكون بلغة البكم، كونهم لا يسمعون من هم ليسوا بصم.فبالأمس القريب، وجه الأطفال الصم والبكم في غزة بلغة الإشارة، رسالة للعالم أجمع، الذي لم يسمع صوت من تحدثوا معهم من الأطفال ضحايا الحصار والمرض والفقر والجوع بصوت مسموع، ليعملوا على رفع الحصار عن غزة، فأطفال غزة يريدون الحياة، قائلين بلغتهم: "جريمة الحصار تسببت في وفاة العشرات من الأطفال المرضى وباتت تهدد بالأسوأ إذا استمرت الأمور على ما هي عليه".وجاءت محاكاة الأطفال هذه، لتقول إذا كان العالم لم يتجاوب مع كل الأصوات التي تنادي برفع الحصار، فلعله يتجاوب مع لغة الإشارة التي تحدث بها الأطفال الصم، ليوجهوا رسالة لهم توضح معاناتهم في فلسطين من سوء التغذية، وتلوث مياه الشرب، ونقص الأدوية، وما سببه ذلك من أمراض لا حصر لها، وكذلك استهداف الاحتلال لهم.فبوفاة الطفل الرضيع محمد إيهاب هنية من سكان مدينة غزة، في الرابع من نيسان/ إبريل الجاري، الضحية رقم 124 من بين ضحايا الحصار المفروض على قطاع غزة، منذ منتصف حزيران الماضي، تتجسد معاناة الأطفال كما الشباب والشيوخ والنساء في القطاع، في جرعة دواء خلت رفوف الصيدليات منها، وفي علبة حليب أبى الاحتلال إلا أن يمنع إدخالها، وفي كسرة خبز لا يقوى رب أسرة على شرائها لارتفاع

و في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الشارع الفلسطيني، يبدو أنه ليس هناك من قدرةٍ أو مخرج، لدى الشباب، للنجاة من الغرق في تفاصيل الانقسامات الوطنية العميقة؛ سوى التعايش مع هذه المحنة بالمزحة والسخرية..
، تنتشر في الشارع أسئلة ساخرة، ومصدرها الوحيد هو الشباب؛ حيث تشير إلى همومهم ومعاناتهم التي. وبعض هذه الأسئلة- التي وُظفّتْ في نصّ مسرحي عُرض، قبل شهر، على خشبة إحدى المسارح المحلية- يقول: ( في رمضان راح نصوم على آذان غزة وللا الضفة؟، أتزوج بغزة أم بالضفة؟، عقد قراني شرعي أم غير شرعي؟، لي راتب ولا مليش؟، أعطل السبت ولا الخميس؟، أنا مسلم وللا كافر ؟، أجدّد جواز سفري من سلطة غزة أو رام الله؟ ... ". أسئلة تلخص حالة الجو النفسي والألم المستمر الذي يستنزفّ مجتمعًا شابا في عمره. فبحسب التقديرات التي يأخذ بها علم الاجتماع، يقال أن المجتمع الفلسطيني أحد المجتمعات الفتية، حيث الشباب فيها هم القاعدة العريضة.. وعليها سرعان ما تظهر التحديات والمشاكل التي أولها : البطالة، بسبب انعدام فرص العمل المفترض أن تتكفّل بتحقيق مستوى اقتصادي مناسب. وهو ما دعا الكثير من المحللين والمراقبين من الداخل ومن العرب والأوربيين للقول في التقارير والتوصيات المرفوعة لمنظمات تعنى بالوضع الاجتماعي في فلسطين: إن مشكلة مجتمع قاعدته الشبابية بهذا العرض لا يجب تفسير اندفاع أعداد كبيرة من شبابها دائما، لأولوية مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والانخراط في صفوف العمل السياسي والحزبي والقتالي الميداني؛ ولكن يقف الوضع الاقتصادي كسبب مباشر يدفع بالشباب، على نحو مقلق وبالغ السوء، للمشاركة في العنف فضلا عن فقدان الطموح . فالمؤشرات الاقتصادية لا تغري ولا تفتح آفاق العيش التي تمكّنهم من رؤية الحياة بمنظور عملي مختلف.
فبعد سقوط جماليات المقاومة، وتفشي نظرية المؤامرة بين الفلسطينيين أنفسهم، الاعتقاد السائد أن إقدام الشباب على خيار الموت بذريعة مقاومة الاحتلال بالأسلحة والإمكانيات البدائية؛ إنما هو بمثابة انتحار وموت مجاني مدروس الدوافع، من عدة مستويات اجتماعية ونفسية، فأول الدوافع دائما هو انعدام الأمن الاقتصادي للشعب الفلسطيني، وبالتالي انسداد الطريق بوجه الحركة باتجاه المستقبل. حيث تتمترس التنظيمات الحزبية خلف مصالحها، ولاسيما التي ترفع الشعارات الإسلامية. وبذا تصبح هي حلقات استقطاب ونكوص للشباب والطلائع المآمورين بأداء مهام الموت على تخوم الأسيجة الأمنية الإسرائيلية، بحجة ضرب الأهداف المنيعة المحصنة بالتجهيزات الأرضية والمحروسة جوّا من الطائرات .. ومع كل سقوط لثلة منهم يُسمع صوت العقل وهو تسجّل الاحتجاج على هذا الانتحار، ويلوم على من يرمي بالشباب إلى الموت خدمة لأهداف ومصالح فئوية وشخصية لا أكثر ولا أقل؛ في ظل حالة من انعدام قدسية المقاومة، وشيوع نظرية الاستعراض لدى كل جماعة في الميدان.
ليس هذا فقط، بل حتى مقاهي الإنترنت التي تعتبر نوافذ حميمة يسافر عبرها هذا الشاب أو ذلك منفصلا قليلا عن الواقع الذي يعود إليه مع أي انقطاع مفاجئ للكهرباء التي اعتاد الناس على غيابها وانتظارها ساعات حتى تعود. فهناك في أحد طوابق بناية في إحدى مدن قطاع غزة: "مركز لتعليم الكمبيوتر والانترنت".. يقوم بتنظيم دورات تصميم الصفحات الالكترونية، وتأهيل الشباب في مجال برامج الكمبيوتر المختلفة، يرتاده مئات بل آلاف الشباب على مدار اليوم. وقد تعرض منذ وقت ليس بالبعيد الكثير من المقاهي لاعتداء من جماعة مسلحة تسمي نفسها " جيش الإسلام" . فقامت بتحطيم محتويات المركز الذي يرتاده الشباب؛ بحجة أنه يشيع الرذيلة في أوساطهم، ويترك الحرية لتصفح المواقع الإباحية، ولا يقوم بحجبها. وهو ما نفاه، في حينه، مدير المركز رافضا تهمة أن تكون هناك سياسة إغراء تجارية من هذا القبيل لدى المركز لاجتذاب الزبون.. فكل ما في الأمر أن المراكز والمقاهي مفتوحة لتوفير خدمة الانترنت والتعليم، وأنّ على الجميع أن يتفهم واقع أن للشباب اهتمامات مختلفة ورغبة في التطور، وأن لديهم مشاكل ، في سجن غزة الكبير، تجعلهم لساعات طويلة ينفصلون عن معاناتهم اليومية، بالإطلالة من نافذة الانترنت على عالم الأصدقاء والتعارف، والبحث عن فرص عمل، وسفر وزواج. وقد سجلت السنوات الأخيرة القليلة نسبة مرتفعة بشأن عزوف الشباب الفلسطيني في الوقت الحالي عن الزواج؛ بسبب عدم تمكنهم من تغطية تكاليفه توفير متطلباته، بسبب قلة فرص العمل المحلية، وارتفاع معدلات البطالة فضلا عن انعدام عامل السلامة والأمن الذاتي.



« return.