by Adham Tobail
Published on: May 20, 2008
Topic:
Type: Opinions

إن عبارة العنف الأسري تحمل في طياتها تناقضاً في الدلالة والمحتوى فالأسرة ترتبط عادة بمعنى المحبة والمودة وليس العنف والصراع فالعنف الأسري يشكل خطورة كبيرة على حياة الفرد والمجتمع ، فهو من جهة يصيب الخلية الأولى في المجتمع بالخلل، مما يعيقها عن أداء وظائفها المختلفة ، وهو من جهة ثانية يساعد على إعادة إنتاج أنماط السلوك والعلاقات اللاسوية بين أفراد الأسرة .

مفهوم العنف الأسري :-

من الصعب تحديد مفهوم العنف الأسري تحديداً دقيقاً، غير أنه يمكن القول بأنه العنف الموجه لواحد أو أكثر من أفراد الأسرة ذاتها أو أحد منها . وهو أحد أشكال السلوك العدواني وممارسة القوة أو الإكراه ضد الغير عن قصد مما يترتب عليه علاقات قوة غير متكافئة داخل المحيط الأسري .
ويعتبر العنف الأسري ظاهرة غريبة وجديدة على مجتمعاتنا العربية طرقت أبوابنا في الآونة الأخيرة بشدة .
ولا ترفض الإنسانية سلوكاً كما ترفض العنف بكل صوره وأشكاله خاصة التي تقع على الطفل والمرأة ، باعتبار أن الرفض هنا هو رفض فطري وغريزي وليس مجرد قانوني لأن الجاني لا يتعدى على نص قانوني بقدر ما يطعن الإنسانية ذاتها في صميم وجدانها .


العنف ضد المرأة

وهو السلوك الموجه للمرأة سواء كانت زوجة أو أماً أو أختاُ أو ابنه، ويتسم بدرجات متفاوتة من التمييز والاضطهاد والقهر والعدوانية الناجم عن علاقات القوة غير المتكافئة بين الرجل والمرأة في المجتمع والأسرة على سواء نتيجة لسيطرة النظام الأبوي بآلياته الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية.
وبالرغم من التغيرات التي طرأت على أوضاع المرأة في المجتمع الحديث ، فأن طبيعة العلاقة التي تحكم المرأة بالرجل داخل الأسرة لازالت تحكمها بقايا علاقات العبودية التي تأسست تاريخياً مع نشأة الملكية الخاصة وسيطرة الحضارة الذكورية في ظل سيادة النظام الأبوي الذي أعطى السلطة المطلقة للرجل وفرض على المرأة الخضوع بالقوة ، والمرأة مظلومة بالفعل ، فهي تعاني من قهر مستمر يبدأ في بيتها وينتقل أشد عنفاً إلى بيت زوجها. والمرأة تتحمل غالباً كل ما يقع عليها من أعباء.
وأشير هنا أن المجتمع لعب دوراً رئيسياً في تفاقم هذه الجريمة حيث أن الخلفية التي ينشأ عليها الرجل بأن ضرب زوجته حق مشروع له فأحد أساليب التأديب تمنحه الحرية المطلقة في ممارسة العنف، إضافة إلى العادات والتقاليد تعد محفزات رئيسية للعنف حيث أن الثقافة السائدة توجب على المرأة التحمل وهذا ما جعل المرأة تلزم الصمت وتحجم عن التبليغ .
إضافة إلى عدم وجود المساندة من الجهات الرسمية التي تقف في أغلب الأحيان إلى صف الرجل سواء في المحاكم أو أقسام الشرطة .
كما يؤكد مختصون أن عدد النساء اللاتي يتعرضن للعنف في تصاعد ، حيث ذكرت تقارير صادرة عن منظمة العفو الدولية وجود مليار امرأة في العالم يتعرضن للعنف بشتى صوره بما يعادل ثلث نساء العالم ،و لأن السعودية جزء من هذا العالم ، فإن المؤشرات على وجود انتهاكات ضد المرأة ظهرت بصورة ملموسة ، لذا قامت الدولة متمثلة بوزارة الشئون الاجتماعية بإنشاء بما يسمى ادارة الحماية الأسرية ويقوم حالياً مركز النهضة للخدمات الاجتماعية بعمل دراسة رسمية حول العنف ضد المرأة السعودية

و قامت ا للجنة النسائية بجمعية النهضة النسائية بتجهيز دار مخصصة لحماية النساء والأطفال من العنف الأسري. ولكن لا زالت إمكانياتها محدودة نظراً لمحدودية الإمكانيات المتاحة . وتشير الإحصائيات أن الدار قد استقبلت حتى العام الماضي 152 حالة . أيضاً أنشأت جمعية حقوق الإنسان حديثاً وقد تلقت منذ بدأ نشاطها وحتى الفترة الحالية أكثر من 1164 قضية متعلقة بالعنف الأسري .

أشكال العنف الأسري :-

1- جسدي. 2- نفسي. 3- اجتماعي. 4- جنسي. 5- تعليمي وعلمي .

1- العنف الجسدي :-
وهو الأشد ومن صوره الضرب ، شد الشعر ، الصفع ، المسك بعنف ، اللكم ، الخنق ، الحرق ، (العقوبة البدنية) .
2- العنف الاجتماعي:-
يتمثل في فرض الحصار الاجتماعي على المرأة أو الحد من انخراطها في المجتمع وعدم السماح لها باتخاذ قراراتها ، أو إجبارها على العمل في شئ لا تحبه أو منعها أصلاً من العمل ، أو إجبارها على التنازل عن حقوقها في الميراث أو الاستيلاء على راتبها ، أو عن طريق حرمان الطفل من التواصل مع أحد أفراد أسرته أو رفاقه أو قد يكون عن طريق إلحاق الأذى بممتلكات الغير أو تدمير المرافق العامة .
3- العنف النفسي:-
يتمثل بالعبارات والألفاظ النابية والجارحة وغير اللائقة كالاتهام بالسوء ، والتخويف ، والإهمال وعدم تقدير الذات والتهديد المستمر بالطلاق والحرمان من الأبناء أو العكس ، والحرمان من الحنان وعدم التقبل .
4- العنف الجنسي :-
وهو الاستدراج بالقوة والتهديد إما لتحقيق الاتصال الجنسي أو لاستخدام المجال الجنسي في الإيذاء كالتحرش والهجر من قبل الزوج. ومن صور العنف الجنسي استخدام العبارات الجنسية أو الملامسة بقصد الإشباع الجنسي .

أسباب العنف الأسري :-

أ - أسباب ترجع إلى شخصية الطفل :-
• الشعور المتزايد بالإحباط .
• ضعف الثقة بالنفس
• طبيعة مرحلة البلوغ والمراهقة .
• الاضطراب الانفعالي والنفسي وضعف الاستجابة للقيم والمعايير.
• تمرد المراهق على طبيعة حياته في الأسرة والمدرسة .
• عدم القدرة على مواجهة المشكلات .
• عدم إشباع الحاجات الفعلية للطفل والمراهق .
ب – أسباب ترجع للأسرة :-
• التفكك الأسري .
• التدليل الزائد من الوالدين أو القسوة الزائدة .
• عدم متابعة الأسرة للأبناء .
• الضغوط الاقتصادية .
ج - أسباب ترجع إلى الرفاق :-
• رفاق السوء .
• النزعة إلى السيطرة على الغير .
• الشعور بالفشل في مسايرة الرفاق والرفض من قبلهم .
• الهروب المتكرر من المدرسة .
د- أسباب ترجع إلى المعلمين :-
• غياب القدوة الحسنة .
• عدم الاهتمام بمشكلات التلاميذ .
• غياب التوجيه والإرشاد من قبل المدرسين .
• ضعف الثقة في المدرسين .
• ممارسة اللوم من قبل المدرسين .
هـ- أسباب ترجع إلى المدرسة :-
• ضعف اللوائح المدرسية .
• عدم كفاية الأنشطة المدرسية .
• زيادة كثافة الفصول الدراسية .
و- أسباب ترجع إلى المجتمع :-
• انتشار سلوكيات اللامبالاة بالمجتمع .
• وجود وقت فراغ كبير وعدم استثماره إيجابياً .
• ضعف الضبط الاجتماعي .
• ضعف التشريعات والقوانين المجتمعية.
• انتشار أفلام العنف .

كما أن هناك مجموعة من الأسباب أدت في مجملها لظهور العنف وهي :-
- ظاهرة النمو الحضري التي بلغت من الأتساع حدا أفقد الإنسان أحساسة بشخصيته ,وأشعره بأنه أعزل فلا يشعر بالأمان .
- كما أن الحياة الحضرية أصابت دور الأسرة بالوهن فامتصاص الشواغل الحضرية لانتباه أرباب الأسرة أعجزهم عن ممارسة السلطة .
- كما أن ازدحام المدينة بأبنية تتماثل في الشكل والحجم وتكتل السكان في عقارات متجانسة ، والافتقاد إلى الرقع الخضراء كل هذا يهيئ حول الناس جواً خانقاً من السهل أن ينتج العنف .
- أيضاً انتشار تعاطي الخمور والمخدرات بين أفراد المجتمع، قلة الوازع الديني .
ويتفق الباحثون الاجتماعيون والنفسيون على وجود عوامل متشابكة لتبرير حدوث العنف الأسري نحو الطفل كارتفاع عدد أفراد الأسرة ، وتدني الوضع القانوني للمرأة والطفل والعوامل السياسية ، ووسائل الأعلام .

آثار العنف الأسري :-
1- الاضطرابات النفسية وعدم الشعور بالأمان .
2- الشعور بالإهانة والعجز والإحباط .
3- الانزواء والاتكالية .
4- فقدان الثقة بالنفس .
5- التفكك والتصدع الأسري .
6- انحراف الأحداث .
7- ترك مقاعد الدراسة مبكراً .
8- غياب التربية الصحيحة والتنشئة المتوازنة .
9- زيادة نسبة الجرائم وعدم الاستقرار المجتمعي .

إحصائيات عالمية وعربية ومحلية لظاهرة العنف
- شهدت الأردن عام 1998م حوالي 270 حالة إساءة جسدية وجنسية وفي عام 1999م حوالي 522 حالة ، وفي عام 2000م 613 حالة.
- وفي اليمن تم تقدير حجم هذه الظاهرة بحوالي 20% من حجم جرائم الآداب العامة التي تخص قضايا الأسرة وذلك في عام 1999م .
- وفي الكويت شهد عام 2002م نمواً ملحوظاً في معدل جرائم العنف الأسري .
- وفي مصر فإن 65% من الجرائم التي ترتكب ضد الطفل أسرية ، وتبلغ نسبة جرائم قتل الأطفال 44% من الجرائم السنوية ضد الطفل ، وحوادث الاعتداء الجنسي 18%، والاختطاف 21% ، والتعذيب 8% ، والضرب 7% .
- في بريطانيا وفقاً لتقرير وزارة داخليتها يتم قتل 4 أطفال أسبوعياً بأيدي أولياء أمورهم ، ويموت 200 طفل سنوياً بسبب جرائم الآباء ضدهم .
- في أميركا يتعرض ما بين مليونين إلى 4 مليون طفل للاعتداء ، ويقتل آلاف منهم بأيدي آبائهم ، ويبعد عشرات الآلاف من الأطفال عن أسرهم إلى دور الرعاية سنوياً.
- وفي المملكة ما زالت النسبة غير معروفة تماماً على المستوى العام ، ولكن قام مستشفى التخصصي بعمل دراسة للحالات التي راجعت المستشفى وتبين منها أنه في عام 1994م تم تسجيل 33 حالة بين ضرب زوجات وانتحار وإيذاء أطفال ، وفي عام 1995م تم تسجيل 45 حالة وفي عام 1996م تم تسجيل 18 حالة ، أما في عام 1998م سجلت 26 حالة .
وبينت الدراسة أن التراجع في الأعداد لا يعني أن المشكلة قد انتهت أو انخفضت ولكن يرجع إلى خوف الأسرة من المساءلة أو التعرض إلى التحري سواء من المستشفى أو الإمارة أو الشرطة .
ولكن في دراسة حديثه 2002م تم تسجيل 300 حالة تعرضت فيها النساء للإيذاء .
ونشير هنا على الرغم من أن هذه الظاهرة منتشرة ومعروفة في كل المجتمعات المتقدمة منها والنامية إلا أن الإحصائيات الدقيقة لحجم انتشارها في الوطن العربي غير معروفة تماماً، لما ينتابها من تستر ورغبة في عدم الإفشاء أو على اعتبار أن الخلافات الأسرية وخباياها لا ينبغي في نظر البعض أن تفشى أو مخافة التعرض لمزيد من العنف بعد التشهير وإعلانه .

نظرة الإسلام للعنف الأسري

من ينظر في القرآن والأحاديث الشريفة ، يجد أن نظام الإسلام بأحكامه ومبادئه وقواعده فرض على المسلمين بشكل عام ، وعلى أبناء الأسرة الواحدة ، الزوج الزوجة والأولاد أن يقيموا علاقاتهم فيما بينهم على أساس من المودة والرحمة قال تعالى ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) .
وفي القرآن العديد من الآيات التي تفرض على المسلمين الإحسان إلى الوالدين والأولاد والأقارب وغيرهم من أبناء المجتمع ، وفي التوجيهات النبوية توكيداً لهذه المبادئ السمحة قال صلى الله عليه وسلم ( علموا ولا تعنفوا ) وقال ( من لا يرحم لا يرحم ) وذكر كل ما يتعلق بتربية الأبناء ووجوب الإحسان إليهم والعدل فيما بينهم في كل أمر وجعل التأديب له أصوله وفقهه في أحكام الشريعة وكان القدوة الحسنة وهو يحتضن الأطفال ويقبلهم ويلاعبهم وأخبار صحابته عن حبه لفاطمة وأحفاده .
ويجب على الزوج أن يتعامل مع زوجته بالمعروف ويعاشرها بالحسنى وجعل لكل من الزوج والزوجة حقوقاً وواجبات يجب الالتزام بها مما يؤدي إلى نهضة الأسرة وشعورها بالسعادة .
والحياة الأسرية في نظر الإسلام حياة منضبطة وليست فوضوية أو سائبة بل تقوم على أحكام الشريعة ومرتبطة بالعقيدة ولا تنفصل عنها والحرية لكل واحد منها في نطاق ما شرع الله ، وأن أي تقصير وبخاصة إلحاق الأذى والضرر والعنف بالآخرين هو اعتداء على حق الله تعالى ثم اعتداء على حقوق الآخرين " ومن أحسن وأصلح فإن له الأجر العظيم "

تصدي القرآن لاستغلال المرآة وتعريضها للعنف بكل أشكاله :-
1. في عدم امتهانها " وإذا الموءودة سئلت ـ بأي ذنب قتلت " .
2. في إعطائها كرامتها " وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم (إلى قوله) ألا ساء ما يحكمون " .
3. في أكل ميراثها " لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً " .
4. في أكل مهرها " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا "
5. في أكل حقوقها" أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن"
6. في استغلال المرآة جنسياً " ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء " .
7. في العنف الجنسي بأشكاله " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله " .
8. في اتهام المرأة " أن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم " .
9. في المعاملة الطيبة " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " .
10. في الاحترام وعدم الإساءة " وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً " .
11. في حفظ المعروف والمودة "ولا تنسوا الفضل بينكم " .
12. في عدم الإساءة بالطلاق " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " .
13. في عدم الإضرار " ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه "
14. في حق الزوجة ببيتها ونفقتها " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم ، لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن (إلى آخر الآية)"
15. في النفقة والرعاية " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلي المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف (إلى آخر الآية)



« return.