ان البحث عن مفهوم الديمقراطية يحتاج منا وقفة تأمل تأخذ معها ساعات وأيام من التفكير في محددات نشوء وأفول الديمقراطية في المنطقة العربية. إذا أن هنالك قراءات عديدة تشير الى إرتباط وجود الديمقراطية مع نشوء حالة التطور والتحديث، وذلك بإرتباط تحقيق التقدم الإقتصادي بتحقيق الديمقراطية، وقد نشأت العديد من النظريات التي تبحث في أثر العامل الإقتصادي في تطور حركة المجتمعات بإتجاه الديمقراطية، فقد كانت النظرية الليبرالية من أوائل النظريات التي ركزت على أهمية العوامل الإقتصادية من تحرير تجارة وإلغاء دور الدولة في الإقتصاد وتحقيق السلام وحقوق الإنسان والديمقراطية.
حيث نجد أن هنالك عدد من المفكرين الليبراليين الذين أكدوا على ذلك:
1- (آدم سميث)، حيث أشار الى أهمية تحرير التجارة وإزالة القيود عن حركة السلع والخدمات بين الدول، وركز على ضرورة إلغاء دور الدولة في الإقتصاد، والتركيز على دور السوق وإنفتاحة على الآخر.
2- (إيمانويل كانظ)، أشار الى أهمية الديمقراطية في تحقيق الإستقرار والسلام، وقد ركز على مفهوم السلام الديمقراطي والذي ينشأ بين الدول الديمقراطية والذي يدفعها للإبتعاد عن الحروب.
3- (فريدريك فان هايك)، يرى بضرورة ابتعاد الدولة عن التدخل في السوق والتركيز على تحقيق الديمقراطية، وأن حرية التجارة تقود الى تعزيز الديمقراطية.
فإرتباط مفهوم تحرير التجارة بتعزيز ونشوء الديمقراطية، أمر حيوي ركزت علية النظرية الليبرالية، وبالذات الليبرالية الجديدة في الدفع نحو تحقيق مفاهيم السلام والديمقراطية بحركة التطور الإقتصادي للدولة من خلال البعد عن تدخلها في الإقتصاد ومنح القطاع الخاص فرصة في الدخول في الأسواق ودور في بناء المجتمع. وقد جاء هذا الطرح من خلال تحرير التجارة لمعالجة التشوهات والمشاكل التي تواجه المجتمعات النامية وبشكل خاص الدول العربية، كون المشاكل الاقتصادية من بطالة وتدني مستوى المعيشة والفقر وإرتفاع اسعار السلع والمنتوجات... قد إنعكست آثارها على المواطن العربي مما أدى الى نشوء حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي طالت آثارها على البنية العامة للمجتمع.
فقد سعت المنظمات والمؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية الى دفع الدول النامية -والدول العربية منها - لإجراء مجموعة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والتشريعية، حيث ربطت عملية الاصلاح بمعالجة الإختلالات الموجودة في اقتصاديات الدول بطبيعة ونمط اتخاذ القرار السياسي داخل النظام السياسي للدولة، كون وجود مشاكل اقتصادية ناتجة عن سوء اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية، وعدم وجود ديمقراطية يؤدي لحالة من عدم الإستقرار الداخلي ينتقل معه الصراع للخارج. وتم ربط مفهوم الاصلاح بتحرير التجارة للدول، وذلك بإزالة القيود و فتح الاسواق أمام حرية حركة السلع والخدمات والتكنولوجيا والعمال ورؤوس الأموال، وابراز دور القطاع الخاص وتعزيز دور الاستثمارات في تحقيق التنمية... . كل ذلك كان له الآثر في إحداث حركة من التفاعل بين المؤسسات الموجودة في الدول النامية وبشكل خاص الدول العربية وبين المؤسسات الأخرى في الدول المتقدمة، إضافة لنشوء التكتلات السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية، والتي تم من خلالها إنخراط عدد من الدول العربية فيها، وتعرفها على نماذج وتجارب الحكم في عدد من البلدان المتقدمة في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان، بما يشكل فرصة وجانب ضغط من قبل الدول الأعضاء في تلك التكتلات للدول غير الديمقراطية بإجراء مزيد من الإصلاح السياسي وتحسين سجلها في مجال حماية حقوق الإنسان، كأحد شروط الإنضمام وكآلية للمراجعة على غرار ما يحدث في منظمة التجارة العالمية.