by abdou | |
Published on: Jul 14, 2007 | |
Topic: | |
Type: Opinions | |
https://www.tigweb.org/express/panorama/article.html?ContentID=14911 | |
إنّ استشراف المستقبل العربي من أصعب مواضيع الاستشراف على المتخصصين في هذا المجال، ذلك لأنّ صناعة المستقبل في هذه الرقعة من العالم محكومة بنوعين من العوامل: عوامل القوة والضعف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية المعروفة، وعوامل أخرى تتعلق بالمعتقدات والموروث الديني والقيمي الذي كثيرا ما يوظّف من طرف القوى الراغبة في تغيير التوازنات وصناعة واقع مختلف. ومن الأمثلة العاكسة لذلك الثورة الجزائرية، وكذا المقاومة في لبنان، و فلسطين، وبسالة المقاومة العراقية رغم عوامل التشويه المحاطة بها من كل جانب. فمن البداهة أنّ هذه الرقعة من العالم تعتبر أكثر المناطق حساسية وأهمية لما تحتويه من ثروات مادية وبشرية ومعنوية، ولما تمتلكه من تاريخ وتراث حضاري عريق عكسته مختلف مراحل وصور الصراع بين الحضارة العربية الإسلامية والقوى الدولية المعادية لها قديما وحديثا. ا لا أن العالم العربي يمرّ بمرحلة ضعف مؤقت ولكنه يحمل في ثناياه بذور الحياة التي تتمثل في الكثير من المحاولات الجادة من أجل صناعة مستقبل أفضل رغم الطوق المحكم من طرف أنظمة وأجهزة الحكم و الكثير من النخب والواجهات المصنوعة، إذ ليس صعبا على المواطن العربي البسيط، أن يميّز مثلا بين ما كانت تقوم به المقاومة قبل وأثناء وبعد الحرب، وبين مواقف وتصرفات قوى 14 آذار ومن يدعمها عربيا، التي كانت تمارس الاستفزاز محبة في الآنسة رايس، في أشدّ لحظات القصف والتدمير الذي كان يشهده لبنان، وليس خافيا عليه أيضا محاولات بعض القوى الفلسطينية والعربية، وهي تقدّم الخدمات والجهود لمساعدة أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وحلفائهم في محاصرة الشعب الفلسطيني بسبب اختياره لحكومة حماس، وهي نفس الصورة تتكرر عبر التاريخ، فحتى أثناء ثورة التحرير الجزائرية كانت بعض القوى الجزائرية تقدّم خدماتها للاستعمار الفرنسي، وتقف بكل قوة في وجه المشروع التحرري، إلاّ أنّ إصرار الثوار والتفاف الشعب حول القضية، حال دون تمكّن هذه القوى من إفشال المشروع الثوري الجزائري في مجمله، إلاّ أنّها تمكنّت من تشويه الكثير من نتائجه وتحويلها عن وجهتها. و لذلك فنهايات الصراع بين بذور الحياة والواجهات المصنوعة و نتائجه هي التي تحدد المستقبل العربي ، إذ أن الاستشراف الصحيح هو القادر على رصد بذور الحياة في ثنايا الوطن العربي، وقدرتها على التفاعل والتأقلم والتموقع ضمن التوازنات الحالية، وإصرارها الدائم على تغييرها باستمرار من أجل القضاء على الضعف المؤقت وصناعة القوة المنشودة، واسترجاع الحق المشروع للوطن العربي على الأقلّ في التمتّع بعوامل القوة التي يمتلكها، ولما لا في الطموح المشروع لقيادة العالم أو على الأقل جزء منه. فبعد أن تحررت جميع الأقطار العربية من الاستعمار المباشر (ما عدا فلسطين)، يشهد الوطن العربي اليوم الكثير من التطورات الإيجابية، كروح المقاومة التي سكنت في وجدان المواطن العربي ، وخصوصا مع انتصارات المقاومة في لبنان، وصمود الشعب الفلسطيني ، فضلا عن صمود المقاومة العراقية رغم كثرة الألغام المحاطة بها، كل ذلك وغيره شكل إرباكا للآخر تجلى في فشل مشروع السلام وخارطة الطريق وتحرير العراق ومشروع الشرق الأوسط الكبير والجديد، كما كان الأثر جليا في الداخل الإسرائيلي والانتخابات التشريعية الأمريكية مما دفع الغرب لاستعمال وسائل مكشوفة أبرزها الإبادة الإسرائيلية في لبنان وفلسطين بتزكية وحماية ما يسمى "المجتمع الدولي"، وكذا ما تفعله أمريكا وحلفاؤها في العراق وأفغانستان، مع الإمعان في صناعة بؤر توتر جديدة على غرار دارفور وغيرها، بالإضافة إلى إطلاق مسلسل الإساءات للإسلام الذي يهدف إلى جملة أهداف منها وقف المد الإسلامي في المجتمعات الغربية، خصوصا بعد أن أصبح يؤسس لبروز لوبي عربي إسلامي في مواجهة اللوبي الإسرائيلي في أمريكا والغرب، والواقع أنّ الحرب النفسية والضغط الكبير جدا الممارس في هذه المرحلة على المهاجرين العرب، يفرض على الدول العربية مد يد العون لهؤلاء على الصعيدين الرسمي والشعبي، وتشجيعهم على مواصلة بناء اللوبي العربي الذي يمثل هدفا استراتجيا لا بدّ منه. و الملاحظ أن وسائل المواجهة البارزة هذه جاءت بعد أن فشلت مخططات ومحاولات التخويف من الإسلام، وإلصاقه زورا بالإرهاب، وصناعة الواجهات المزيّفة كالقاعدة وغيرها من وسائل الصراع المنتجة في مخابر دولية متخصصة لا تخفى على المثقف العربي الواعي. إنّ روح المقاومة التي ستتجذر كثقافة سائدة و ستتحول مع الوقت إلى عامل تغيير مهمّ ستدفع بالشاب العربي ليتجرأ إلى كسر الأطواق وتجاوز سياسات الأمر الواقع وصناعة المبادرة على جميع الأصعدة تماما كما تجرّأ حزب الله على مواجهة الجيش الذي لا يقهر، ولذلك ستظهر مستقبلا الكثير من المبادرات الشعبية الجادة و ستتقلص قبضة الأطواق المضروبة على القوى الحية في الأمة من طرف الواجهات المصنوعة،علما أنّه طوال المرحلة التي تلت التحرر من الاستعمار عملت الكثير من الأنظمة والأجهزة والنخب والواجهات التي صُنعت، على قتل روح المبادرة لدى الشباب العربي وغرست فيه اليأس والقنوط، وساهمت في برمجته على قبول سياسات الأمر الواقع الذي صنعته القوة الاستعمارية في مرحلة ما بعد الاستقلال، وهو في تصوري استعمار جديد بوسائل جديدة تتلاءم مع ضرورات الاستقلال السياسي الشكلي، إلاّ أنّه كما يقال الضغط يولّد الانفجار، إذ جاءت المقاومة لتغرس ثقافة جديدة وتصنع معادلة أخرى مدعومة بالتجربة الإيرانية وما تمثله من تحدي ذكي لما يسمى بالمجتمع الدولي، وكذا الصمود السوري وقدرته على التعايش في ظل دعمه الاستراتيجي لمشروع المقاومة، وجدية حكومة أردوغان في تركيا وإصرارها على التأثير الإيجابي في المنطقة، كل ذلك وغيره سيدفع بالشاب العربي إلى الانخراط في مبادرات تحرره من كل المؤثرات السلبية المذكورة وسيتسابق على الالتفاف حول المبادرات الجادة التي ستساهم بفعالية في صناعة المستقبل . كما أن التجربة الإعلامية في الوطن العربي، خصوصا من خلال الفضائيات الجادة التي انتقلت كقوة تأثير كبيرة إلى مرحلة هجومية متقدمة من خلال برامجها الناطقة باللغات الحية سيكون لها الأثر الإيجابي في كل ذلك . و من جهة أخرى تمثل الظاهرة الاقتصادية الخليجية نقلة نوعية في الحراك الاقتصادي العربي بفضل الثروات التي أحسن استغلالها من طرف-الذكاء الخليجي الذي مثله أبناء الخليج الذين درسوا في كبرى الجامعات الغربية و الأمريكية و تمكنوا من نقل التكنولوجيا والمعارف والتقنيات حيث استطاعت هذه النخبة أن تحول اتجاه العلم مثل ما فعلت نخبة الغرب وهي تنقل العلوم من العالم الإسلامي إلى أوروبا في أيام نهضتها الأولى، ومن الضروري أن ننوّه هنا بدور بعض الحكام العرب مثل حكيم العرب الراحل زايد بن سلطان رحمه الله، الذي تمكّن أن يلعب دورا بارزا في ذلك. إن المساهمة الصادقة في صناعة المستقبل العربي تقتضي ّ بذل الجهد في اكتشاف بذور الحياة من القوى الخفية في الوطن العربي، من نخب سياسية وإعلامية واقتصادية واجتماعية وثقافية ممن لم تمنح لهم فرص البروز بسبب الطوق المصنوع من لدن الواجهات المتنفذّة، وهنا يمكن للإعلام العربي أن يسهم بنوعية في رأب الصدع وتجاوز هذا الخلل على درب صناعة المستقبل. ولا بدّ من أن يعطى للصندوق دوره لإفراز القيادات كما حدث في الجزائر مع الرئيس بوتفليقة، أو كما حدث مع إيران مع الرئيس أحمدي نجاد. و على المواطن العربي أن يتفاءل بالمستقبل رغم كل الصعاب و التحديات واضعا نصب عينيه قول الشابي: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر و لابد للقيد أن ينكسر ولابد لليل أن ينجلي إنني حين أتناول أفق الوطن العربي من هذه الزاوية المتفائلة، لا أنكر وجود زوايا أخرى لا بدّ من النظر من خلالها، فالوطن العربي تواجهه تحديات كبيرة تنطوي على اختلالات عويصة، إلاّ أنني على يقين أنّ المادة في هذه الزوايا متوفرة بغزارة، لذلك أدعو لفتح نقاش جاد حول الزاوية التي طرحتها من خلال مؤتمرات وندوات متخصصة وآليات أخرى يمكننا أن نبدعها لتتبع تطورات وتفاعلات بذور الحياة في الوطن العربي، وإنني كشاب عربي، أفضّل أن أموت وأنا بذرة حياة، على أن أصعد إلى قمة الواجهات لأمارس الطوق ضدّ بذور الحياة، وللحديث بقايا. « return. |