by Samer Mohammed Kamel
Published on: Jun 29, 2007
Topic:
Type: Opinions

بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على نبينا خير الأنام النبي الأمي محمد بن عبد الله عليه و على أصحابه و من والاه
أما بعد
السلام عليكم ... ما حدث في الفترة الماضية بخيره و شره نبهني الى مفهوم غائب عنا منذ زمن و ربما نسيناه أو تناسيناه أو ربما تم شغلنا عنه ... ولكن حان الوقت لتذكره



الشرعية



غابت الشرعية عن تقريبا كل شيء في حياتنا و قبل أن نخوض في ذلك لا بد أن نعرف الشرعية لمن لا يعلمها و أنا حتى وقت قريب كنت من هؤلاء الذين لا يعلمونها و الحمد لله الذي علمنا ما جهلنا ... المهم الشرعية هي ببساطة شديدة جدا ارتضاءنا وضع ما أو شخص ما في مركز معين أو مكانة معينة لعلمنا المسبق أنه يستحق هذه المكانة أو أن هذا الوضع صحيح طبقا للمعايير المجتمعية ومنها مثلا الدين و التقاليد و الاعراف و الرصيد المتراكم من الأفكار و النظريات و التجارب و الخبرات في المجتمع على مدار عمر نشأة هذا المجتمع

و لكي نوضح معنى الشرعية أكثر لابد من ضرب أمثلة ... فمثلا ... اذا أقام شاب و فتاة علاقة خارج اطار الزواج فكلنا يعلم أنه بحكم الدين و الأعراف أو التقاليد تعتبر علاقة غير شرعية و اذا نتج عن هذه العلاقة طفل فيصبح اسمه طفل غير شرعي ... في حين أن كل هذا إذا تم تحت حكم أو في اطار الزواج بشروطه المعروفة كان شرعيا و صار الابن شرعيا جدا بل و كان محمودا من قبل كل أطياف المجتمع ... الان توقف معي ... ما الفرق بين الحالتين ؟ مالذي جعل العلاقة الأولى غير شرعية و الثانية شرعية؟
الاجابة طبعا هي عقد الزواج ... و ماهو عقد الزواج؟
هو في أبسط صوره و أكثرها تجردا ... فكرة توافقت عليها البشرية بوحي من الله عزوجل أن تكون شرطا مستوفا قبل الشروع في العلاقة بين الذكر و الأنثى ... ويستتبع هذا الشرط حالة من الرضاء المجتمعي لهذه العلاقة بل و ينشئ لها وضعا اجتماعيا جديدا لكل من الذكر و الأنثى و هو وضع الزوج للذكر و ووضع الزوجة للأنثى فيقال فلانة زوجة فلان و العكس ... كتأكيد لشرعية هذه العلاقة
طيب ... الان نفهم من هذا الاتي ... أن الشرعية لابد لها من عقد اجتماعي ... وهو الاتفاق الضمني أو حالة الأجماع الصامتة من الأفراد المتواجدون بمجتمع معين على الحد الفاصل بين ما يمكن أن يطلق عليه شرعي و ما هو غير شرعي ... و هذا العقد الاجتماعي ينشا معه أوضاع أو ألقاب لما هو شرعي مثل لقب الزوج و الزوجة و أيضا القاب لما هو غير شرعي مثل الزاني و الزانية و هكذا ... طيب

الان بعد هذا التعريف و المثال لماذا أتكلم عن الشرعية؟ ... أولا لخطورة حالة غياب الشرعية التي نعانيها اليوم في مجتمعنا على كافة الأصعدة ... مثلا فرئيس الدولة مبارك يعني مع كونه رئيسا منتخب لا يتمتع بالشرعية اللازمة لماذا؟ لانه مع قدومه في انتخابات الا أن نسبة المشاركين في العملية الانتخابية كانت 27 % أو تزيد أو تقل قليلا و بالتالي فمهما كانت نسبة نجاحه فهو لا يمثل أكثر من 27 % من الشعب المصري و لا يمثل أكثر من 70% من هذا الشعب و هي ما يطلق عليه الأغلبية الصامتة هذا مع فرض انه حصل على نسبة نجاح 100% و على هذا يصبح رئيسا غير شرعيا للمصريين و يملك أي ممن لم يشاركوا في هذه العملية التصويتية أن يتهمه بأن نظامه غير شرعي و أن قرارته لا تعتبر ملزمة للمصريين لأنه لم يحظ برضى الأغلبية الصامتة أو الضوء الأخضر كما يسمونه لكي يحكم و كلنا يعلم التزوير و عمليات التلاعب التي تتم في الانتخابات
و لهذ ا فانه مع حالة غياب الشرعية هذه في أي مجتمع يلجأ النظام الحاكم الغير شرعي الى أداته المفضلة و هي الشرطة أو الأمن عموما فيعتقل و يعذب كل من تسول له نفسه أن يتهمه بعدم الشرعية حتى لا تبقى أصوات في النهاية تتهمه بذلك و يظن أن هذا سيعطيه رضا الأغلبية الصامتة خوفا من الاعتقال الا أن هذا مما يزيد حنقها عليه و يؤدي الى ما يسمى حاليا ببحالة الاحتقان ... و الرغبة الدفينة و العارمة بأن يزول هذا النظام من الوجود و أن تتاح لهم الفرصة من جديد أن يشكلوا نظام حكمهم بأنفسهم

و مما يزيد الطينة بلة أن هذا النظام كل مقاليده في يد الرئيس و في حالة اللا شرعية هذه تقدمت صفوف الفسدة و الطامحين الى الغنى و الثروة اللاشرعية ايضا لكي تحيط بالنظام لكي تكسب وده و تحقق هذه لا أقول علاقة الزواج و لكن علاقة الزنا المحرمة بين السلطة و المال و كانت النتيجة أن تحالفت قوى الاستبداد مع قوى النهب على المواطن المصري الذي هو أصل و مصدر السلطات و الثروات أيضا ... و لأن طبعا نسبة الأمية مرتفعة عندنا فلا يعلم الأغلبية بهذا الظلم بل يظنون أن النظام يعمل لمصلحتهم و أنهم بدونه هالكون لا محالة

طيب ما أثر هذا على المجتمع و تعامله مع بعضه؟ ... أثر عظيم نلمسه جميعنا كل يوم منذ الخروج من المنزل و حتى العودة اليه فمثلا سائق الميكروباص حين يزيد سعر الأجرة لا تستطيع أن تحاسبه و تكون أما خيارين إما أن تصمت او لا تركب و الثاني سيكلفك غالبا أن تمشي الى العمل لأنك لن تجد سائق اخر يرضى بأجرة أقل

مثال اخر بانت شواهده مؤخرا و هو الفتوى و المفتي ... ما هي الشروط المتعارف عليها فيمن يتصدى للفتوى ؟
كما حدث و سمعنا في موضوع ارضاع الكبير و بول الرسول صلى الله عليه و سلم ... ما هي شرعية هذه الفتاوى الشاذة و المخالفة لعموم اجماع علماء المسلمين

ما هي شرعية الشيوخ ممن يتكلمون في الدين على الفضائيات ليل نهار؟ ... ما الشروط المقبولة لدى المجتمع التي لابد من توافرها في من يتكلم في الدين؟ ... مثلا أن يكون خريج من الأزهر ... أو أنه يكون حاصلا على الدكتوراة في تخصص معين في الدين أو أن يكتفى بحفظه للقرآن و الكتب الستة و هكذا ...


ما هي المعايير؟


حتى في الفن ... ما المعايير التي نحكم بها على المشتغلين بالفنون لكي يستحقوا أن يقدموا أعمالهم التي تشكل وجدان أمة باكملها؟ ... هل لابد من أن يكون متأصلا في الحضارة العربية الأسلامية حتى لا يشد المجتمع مثلا في اتجاه شاذ أو لا أخلاقي كما نرى الآن ... ما هي شرعية العمل الذي يقدمه؟ ... هل مجرد اجتيازه للرقابة يعني انه عمل شرعي صحي غير مضر؟ ... و لا ننسى طبعا هنا أن الرقابة جزء من النظام الغير شرعي اصلا الذي لا يدين بأي ولاء للمجتمع أو الدين أو الأخلاق العالمة و نرى هذا جليا في الأفلام و هذا غير قنوات الأغاني و العري و بث السموم في نفوس الناس ... من المسئول عن هذا كله ؟ طبعا المسئول لا يتمتع بأي شرعية مجتمعية و لأجل هذا تنامت هذه الحالة من السخط على هذه القنوات لأنها لو كانت تتماشى مع مبادئ المجتمع
ما لفظها المجتمع و تأذذ منها

و كذلك سائق التاكسي مثلا ... أنت لا تعلم ماهو اجره الذي يستحقه ... و لهذا تلجأ للتفاوض معه و لكن التفاوض دائما في صفه لأنك لا تعلم بالضبط حقه في حين هو يزيد كثيرا أكثر من حقه لكي تكون نتيجة التفاوض دوما في صالحه ...

من الموظفون مثلا الذي لا يقضي مصلحتك الا اذا قمت برشوته ... و لايملك احد أن يحاسبه لأنه ببساطة لا يُراقب و لا توجد عقوبة واضحة أو جهة معلومة للتقدم بشكوى ضد هذا الموظف التي هي أيضا جزء من النظام الفاسد اللا شرعي و بالتالي لا تأمل أن تحاسبها لأنها ببساطة في السلطة و أنت لم تشارك في اختيارها فهي تعلم انها ليست موجودة بفضلك و لهذا ولائها ليس لك ... ولائها الأوحد لمن اوجدها نظاما حاكما متحكما في شئون الناس

و غيرها من الأمثلة مثل غلاء الأسعار و أسعار الخدمات و غيره ... طيب

كل هذا أدى الى حالة كره متبادلة بين طبقات الشعب المصري ... انفرط العقد الاجتماعي و لم يعد وجود له ... فأصبح الزواج العرفي موجود و منتشر و لم يعد الزواج مرغوبا كذي قبل ... لم تعد السرقة محرمة لتسميتها بأسماء اخرى و كذلك الرشوة

من الاخر لم يعد للأخلاق أو الدين دورا يذكر في الفصل أو الحكم بين الناس لأنه ببساطة تم تحييده من معادلة العقد الاجتماعي ... فلم يعد احد يسأل عن مصدر الثروة بل عن كمها ... لم يعد أحد يسأل عن استحقاق و جدارة الشخص في المكانة او المنصب الذي يناله بل عن تأثيره و قربه من دائرة صنع القرار




سكتنا عن المطالبة بالشرعية فغابت عنا



في غياب الشرعية يسري قانون واحد ... قانون الغاب و البقاء للأصلح أو الفوضى الخلاقة التي ابتكرتها أمريكا على يد كوندوليزا رايس



اللي يقدر يعمل حاجة يعملها




و النظام مايزال في أمس الحاجة الى هذه الشرعية ... لأنه أضعف كثيرا بدونها ... فمثلا لا يستطيع القضاء على جماعة الأخوان المسلمين التي هو يسميها محظورة بحكم القانون و هي كذلك منذ الخمسينيات أيام عبدالناصر و لم يستطع أحد أن يجتثها من المجتمع المصري لماذا؟
لأنها تتمتع بنوع من الشرعية اسمه شرعية الشارع التي لا يتمتع بها النظام ... و النظام يعلم أنه لو اختار المواجهة معهم لإجتثاثهم فسيخسر و ستظهر عورته و سيققف الشعب جميعه معهم ... لا لحبهم فيهم و لكن كرها في هذا النظام و سيكون كره النظام هو شرعية الجماعة في الشارع والنظام يدرك ذلك جيدا فلجأ الى حلول الاعتقال و ما سواه و أظن أن هذا من أبلغ دلائل ضعفه و قلة حيلته

و أحسنت صنعا المعارضة المصرية في الدعوة لمقاطعة التعديلات الدستورية الأخيرة و التي كنت مخطئا جدا ووجب الاعتذار للدعوة للمشاركة فيها ... لأن المشاركة فيها كانت ستعطي شرعية لكل من النظام و التعديلات نفسها و الحمد لله هذا لم يحدث و كانت المشركة في أحسن ظروفها لم تتعد 10 % و استمرت حالة عزل النظام عن الشارع و ازدادت حالة السخط على النظام



الان ماذا سيحدث في المستقبل؟ ... لا بد أن ندرك أن حالة اللا شرعية هذه لن تستمر طويلا ... وهذه حقيقة تاريخية و السيناريوهات متعددة

أما أن ينقلب النظام على نفسه و تتصارع مراكز القوى فيه في حالة من الفوضى لن يتحملها البلد طويلا وحينها سيلجأ الشعب للإخوان الذين يتمتعون بأكبر قدر متاح من الشرعية في المجتمع اليوم الشرعية الدينية أو شرعية الاسلام هو الحل و شرعية التمثيل البرلماني بالاضافة الى شرعية المشروع الحضاري أو شعار معا للاصلاح الي يتبنونه
هذا بالاضافة لشرعيتها بين أفرادها أنفسهم وهم كثر جدا و الحمد لله

السيناريو الثاني أن يتم التحالف مع الاخوان في اطار صففة لتمرير التوريث ... جمال مبارك رئيسا في مقابل شرعية تواجد الاخوان والغاء لقب المحظورة و السماح لهم بتشكيل حزب سياسي و هو ما يرفضه الاخوان و الحزب الحاكم حتى الان

السيناريو الثالث هو الانقلاب العسكري كما حدث في موريتانيا و هو ما لن يتم في عصر مبارك لاحكام قبضته على الجيش

السيناريو الرابع انتفاضة شعبية و هو مستبعد لأن الشعب لم يقم بها طوال تاريخه الا خلف أشخاص معينين مثل عرابي أو زغلول و أخيرا عبد الناصر ... المرة الوحيدة التي انتفض فيها لنفسه كانت من أجل غلاء الأسعار و هو ما تفشى في عصرنا و مازال الشعب لا يثور

السيناريو الخامس ... وهو الأسوأ حالة الاحتلال الخارجي أو الحرب لأن البلد كما نلحظ تضعف خارجيا أما كل القوى في المنطقة مما يزيد الأطماع الخارجية فيها وهو ما يدل عليه أيضا تزايد عدد الجواسيس الذين تم القبض عليهم مؤخرا ... ساعتها لا يمكن توقع ما يمكن حدوثه



أخيرا ماذا علينا كأفراد أن نفعل ؟ ... كما هو واضح لقد ولى الزمن الذي يستطيع فيه فردا أن يحدث تأثيرا جذريا ... و أيضا تخطينا زمن إمكانية مجموعة من الأفراد حتى لو كانت الإخوان المسلمون أن تغير شيئا ... العجلة دارت و لا سبيل لايقافها ... مصيرنا لم يعد بأيدينا الان ... كل ما علينا أن نفعله هو الانتظار مع عدم التوقف عن المطالبة بالشرعية و المعايير

لابد من التمسك بالمطالبة بالشرعية تحت كل الظروف ... بمعنى اذا رأيت أن رئيسك لا يستحق مكانه لا تتوقف عن تذكيره بهذا أمامه و خلف ظهره ان أمكن و العمل على الاتيان بمن يستحق ما استطعت مع تجنب الاذى و الاحتياط ... إذا رأيت وضع مقلوب انكره و لو في قلبك فقط و ذلك أضعف الايمان ... لا بد أن نحافظ على رغبتنا في الشرعية و عدم اليأس من المطالبة بها و هو جل ما يريده النظام منا ... أن نيأس و أن نؤمن بأن وجوده على سدرة الحكم أمر الهي و قدري لا دخل لنا به و كفى بتلك الشرعية ... كلا لم يكن و لن يكون


وجوده كان ضعف منا في لحظة من لحظات التاريخ و لن تطول و لا بد لليل أن ينجلي و لابد للحق أن يسود فلا يصح الا الصحيح في النهاية

لا نملك إلا هذا مع الانتظار لما ستؤول اليه الأمور
و عسى أن تكون العاقبة خير إن شاء الله تعالى

اللهم بلغت اللهم فأشهد ... اللهم ألهم عبادك الصبر على القراءة و ألهمهم رغبة التغيير و الأمل في كشف الغمة ... اللهم ألهمنا الدعاء لك ... اللهم لا تول أمورنا سفيهنا ووفقنا لما فيه الخير و الصلاح لسائر الأمة و الحمد لله رب العالمين ... اللهم رضينا بك رباً و بالأسلام دينا و بمحمد بن عبد الله نبياً و رسولاً ... اللهم استعملنا و لاتستبدلنا ... اللهم لا تول أمورنا من لا يخافك و لا يرحمنا ... اللهم أكرمنا و لا تهنا ... اللهم لا تجعل فينا شقياً أو محروماً و أغفر لنا و أرحمنا أنت مولانا فأنصرنا على القوم الكافرين ... اللهم أرنا الحق حقاً و أرزقنا اتباعه و أرنا الباطل باطلاً و أرزقنا اجتنابه ... اللهم وفقنا لما تحبه و ترضاه ... اللهم لا تجعل علينا للكافرين من سلطان ... اللهم أجرنا من عبادك الذين ظلمونا يارب ... اللهم أرزقنا الجنة متاعا و عاقبة مستقرا مع الأنبياء و الصديقين .. اللهم دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا أنت مولانا فأنصرنا على القوم الكافرين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين



« return.