by Adel Gana | |
Published on: May 31, 2007 | |
Topic: | |
Type: Opinions | |
https://www.tigweb.org/express/panorama/article.html?ContentID=13671 | |
إن الوضع الذي تمر به بلادنا العربية شديد الشبه بالتنين ذلك الكائن الأسطوري ذي الرؤوس الكثيرة المخيفة، و ليس وجه الشبه في البشاعة و الرعب فقط، لكن التشابه الأساسي في طابع التعدد و الكثرة، تعدد الأسباب المباشرة و المنابع العميقة و كثرة الوجوه المخيفة و المظاهر المفزعة التي تتبدى من خلالها الوضعية المتأزمة و الحالة المتردية. من بين الأسباب الكثيرة التي ساهمت في تفجير الأزمات داخل العديد من بلداننا العربية و ما زالت تغذيها و تساعد على ديمومتها و استمرارها هنالك سبب محوري متعلق بفشل الأنظمة في تحقيق الأهداف و المطالب الكبرى للجماهير الشعبية و خصوصا منها فئة الشباب و تتمثل هذه المطالب أساسا في: o التنمية و التحديث. o العدالة الاجتماعية. o الحرية و المشاركة السياسية الحقيقية. o استكمال و دعم الاستقلال و إنهاء كل مظاهر التبعية. * على الرغم من كل المظاهر الخارجية البراقة للحياة السياسية إلا أن أزمة الشرعية ما زالت مستمرة و قائمة، نتيجة لاستمرار مصادرة إرادة الشعوب عن طريق الانتخابات المزورة كما حدث في مصر، الجزائر، الأردن، سورية و العراق و غيرها. و ما زالت الأنظمة مستمرة في البحث عن شرعية جديدة يعتقد أنه سيجدها بالسعي المتواصل للحصول على رضى و قبول المجتمع الدولي ممثلا في بعض الدول الغربية الكبرى، المؤسسات المالية الدولية، الرأي العام الدولي ممثلا في الجمعيات غير الحكومية بما فيها المدافعة عن حقوق الإنسان و كذا المنظمات الدولية الحكومية في الوقت الذي أزيح فيه الرأي العام للشارع العربي من قائمة اهتمامات الأنظمة. * تزايد ضعف السلطات و تراجع سيطرتها على الوضع الداخلي خاصة الجانب الأمني (ظاهرة الإرهاب) رغم التكاثر العددي الهائل للمؤسسات السياسية و الإدارية و الأمنية حتى ليبدو أن الأمور أصبحت تتم بشكل عكسي، فبقدر تزايد المؤسسات و تكاثرها يزداد ضعفها و فراغها و عجزها عن تأدية وظائفها نتيجة فقدانها للمصداقية و الاحترام، و تتأكد في الوقت ذاته قدرة الأجهزة البيروقراطية على تسيير الأوضاع الراهنة بفعل تدني فعاليتها في التسيير و التنظيم في كثير من الأقطار. * يتواصل اتساع الهوة الفاصلة بين السلطة و الشعب بفعل مجموعة كبيرة من المؤشرات و الظواهر الاجتماعية و الاقتصادية أبرزها: 1- الشعور الشعبي العام بتخلي الأنظمة السياسية عن أداء وظيفتها الأصلية الممثلة في تحقيق الصالح العام، و تحولها إلى أداة لخدمة مصالح جماعات محدودة يعزز هذا الشعور و يقويه الممارسات و التصرفات الشائنة و الاستفزازية الصادرة عن بعض كبار المسؤولين و ذويهم و المقربين منهم. 2- سقوط المستوى المعيشي لمئات الملايين من الأسر العربية التي شكلت في السابق نواة طيبة للطبقة المتوسطة و أصبحت الفوارق الطبقية عارية و قاسية، حيث تتجاوز مظاهر الغنى الفاحش مع صور الفقر المدقع. 3- انتشار حالة اليأس و الإحباط التي يعيشها كثير من المواطنين و خاصة الشباب منهم بفعل المشاكل المزمنة و المستعصية التي يعانيها كالبطالة، السكن، التهميش...الخ و تفشي الحقرة بكل أشكالها و أساليبها. هذه المؤشرات و الظواهر و غيرها تكشف بكل وضوح الفشل في تحقيق المطالب الأساسية الكبرى التي ذكرناها. لكن الفشل الأكبر و الأخطر تجسده تلك الممارسات و التوجهات الرامية إلى مصادرة الديمقراطية حديثة الولادة في الكثير من بلداننا، ففي السنوات الأخيرة ظهر أن هنالك نوعا من الاتفاق على اعتبار الديمقراطية حجر الزاوية في تركيبة الحل المناسب و الضروري لكل مشاكل الشباب العربي بالخصوص، لكن هناك نوعا من الاتفاق كذلك على أن فشل التجربة الديمقراطية أو نجاح من يرغب في إفشالها في تحويلها إلى هيكل دون مضمون و جسد بلا روح كفيل بأن يجعل منها سببا آخر من أسباب استمرار الوضع الحالي و تعقده. إن الشرط الأول و المبدئي لقيام أية تجربة ديمقراطية يتمثل في وجود الإطار الدستوري المناسب الذي ينص بشكل صريح على المبادئ الكبرى المعروفة التي ترتكز عليها النظم الديمقراطية، كمبدأ "الشعب صاحب السيادة و مصدر السلطة"، و مبدأ " المساواة بين المواطنين و ضمان حرياتهم و حقوقهم الفردية و الجماعية" و مبدأ "الفصل بين السلطات" و غيرها من المبادئ العامة التي أجمعت الشعوب و الأمم ذات السبق في هذا المضمار على اعتبارها قواعد لازمة لأي دستور ديمقراطي لكن التجارب و الممارسات أكدت أن وجود الدستور الديمقراطي ليس كافيا -و إن كان ضروريا- لقيام الديمقراطية الحقيقية بل لبد من توفر جملة من الشروط الأخرى الهامة و اللازمة للوصول إلى هذه الغاية تمثل المنظومة القانونية المتكيفة مع طبيعة و مقتضيات النظام الديمقراطي أحد هذه الشروط التي يمكن أن نوجزها في: - أن تكون الإرادة الشعبية المعبر عنها من خلال الانتخابات الحرة و النزيهة هي السبيل الطبيعي و القانوني الوحيد للوصول إلى السلطة و الخروج منها. - توفر حرية ممارسة النشاط السياسي العلني في ظل تعددية حزبية فعلية، بعيدا عن التمييز أو الإقصاء أو التهميش. - حرية الكلام و التعبير بكل أشكاله و صوره و على رأسها حرية وسائل الإعلام المختلفة و استقلاليتها عن كل أنواع السلطة التنفيذية لتتحول حقيقة إلى صوت للسلطة الرابعة. - استقلالية العدالة و القضاء. - قيام مجتمع مدني حقيقي و فعال يستطيع أداء دور "السلطة المعاكسة" للسلطة العامة للدولة. لكن قد يقول قائل إن هذه الشروط التي أوردناها حاضرة و متوفرة في بعض الدول العربية فهنالك الدستور المشبع بالمبادئ و القواعد الكبرى للنظم الديمقراطية و هناك انتخابات تنظم لاختيار كل السلطات العمومية من البلديات و المحافظات وصولا إلى البرلمان و انتخاب رئيس الجمهورية، و هنالك كذلك تعددية حزبية و عشرات الأحزاب تمارس نشاطها في حرية و علانية، و هناك عشرات العناوين الصحفية و القنوات الفضائية الحرة و المستقلة و هناك الآلاف من الجمعيات و المنظمات العاملة في نطاق المجتمع المدني و هناك قضاء و عدالة ينص الدستور صراحة على استقلاليتها هناك و هناك و هناك كل هذا و لكن لا توجد ديمقراطية!!؟ - فالمنظومة القانونية و الدستورية التي تحمل المبادئ و القواعد الأساسية للنظام و الممارسة الديمقراطية يعتدى عليها بطريقتين، إما عن طريق وضعها في قوالب تفصل على مقاس أشخاص محددين و فئات معينة، و إما عن طريق تجاوزها و الدوس عليها ببساطة عند تعارضها مع مصالح القابضين على زمام الحكم في بلداننا. - و الانتخابات المزورة ما زالت تمثل المأساة الكبرى للديمقراطية العربية و الخطر الكبير الذي يتهددها. - أما المجتمع المدني الذي من المفروض أن يمثل الكفة الموازية للسلطة و المراقب المستقل و الصوت لشعبي الصريح و المباشر فقد تم تدجينه و تحويله إلى امتداد لأجهزة معينة. - في حين ما زالت حرية التعبير و الإعلام رغم التقدم الحاصل فيها مهددة بمخاطر عديدة... حقيقة الأمر يا رفاق أن الهيكل و الوعاء موجودان لكن المضمون و المحتوى غائبان، الجسد حاضر لكن الروح بعيدة عنه.... لماذا يحدث هذا في بلداننا؟؟؟؟ لأن هناك من يقوم مع سبق الإصرار و الترصد بمصادرة الديمقراطية!!! « return. |