![]() |
|
by منى وفيق | |
Published on: May 15, 2007 | |
Topic: | |
Type: Short Stories | |
https://www.tigweb.org/express/panorama/article.html?ContentID=13385 | |
جزعةٌ أنا .. مصدومة .. غارقة في حزني أيضا. أيُّ تفرّدٍ أحسّه. العالم القاسي المجوسيّ هذا يبدو صامتا وحزينا إلاّ من نعيق الغربان والبوم في الخرائب. وأنت الواقف ها هنالك مبتسمًا وضاحكًا. تُرى من تكون؟! حتّى وقت قريب كنت أسخر من "عبدو" لأنّه كان يؤكّد لي أنّ أغلب الكتّاب لا يتفوّهون إلاّ بالكلمات الرنّانة الفضفاضة مع الكثير من الخزعبلات الأنيقة. وأنا اليوم أشدُّ ما أكون حاقدة على "لافونتين" القائل "إنّ الموت لا يباغت الحكماء لأنّهم مستعدّون دوما للرّحيل". أبي كان حكيما ولم يباغته الموت .. كان ينتظره .. حتّى روحُه لم يَعزّ عليها أن تفارق ذلك الجسد الّذي أمضت فيه عمرا بأكمله. للأسف لم يكن "لافونتين" مِن الّذين ضحك من هذيانهم "عبدو"! كلّ الوجوه مكفهرّة إلاّ وجهك أنت، ضاحك ومشرق .. لماذا؟! لا تدعني أفكّر أنّ "عبدو" أسرَّ لك برغبته الكبيرة في رؤيتي. أبكي بحرقة ليتلذّذ هو بساديّته. أجزم أنّه لو رأى عينيّ المتورّمتين لتخلّى عن رغبته تلك. بل لتمنّى أن تجفّ ينابيع مقلتيّ أبد الدّهر! إن لم يكن لهذا فلِم تضحك مبتسما؟! أُحسُّني طفلة بعد أن رحل والدي .. كثيرون يكبرون أضعاف عمرهم الحقيقيّ إذا فقدوا أقرب ذويهم. أنا عكسهم. أشعر أنّني طفلة صغيرة جدّا. منبوذة لا تريدهم أن يأخذوا أباها بعيدا عنها!! هل تكون علمتَ بحقدي على الطّفلة الصّهيونيّة الّتي تُعامَل كطفلة مدلّلة يُخشى أن ينهار توازن العالم إن هي تعرّضت للبكاء .. ولأجل هذا تبتسم؟!! يمنعني وقار الزّمان والمكان أن أصرخ فيك بصوت عال وأسألك عن سبب فرحك. تُراك تسخر من وعد "كوثر" لي بأنّ الزّمانَ بحنكته العجوز سيروّض شذوذي الحسّي؟! أم لأنّ الزّمان أصبح جلاّدا يصرّ على أن يعلّمني كيف أمشي على جرحي؟! رجاءً .. لماذا تبتسم في حين يدهسني الحزن؟! يبدو أنّك أدركتَ أنّني وددت لو أنّ أبي غادرنا في فاتح أبريل ليكون موته مجرّد كذبة. ألهذا لم تمنع نفسك من الضّحك؟!! ممكنٌ أنّك مبتسم لفطريّة الجمال في قلبي وأبديّة العذاب في سليقتي؟! لا تقل إنّك تضحك لأنّ الآخرين يرقصون ويزنون ويعيثون في الأرض فساداً في حين أمارس أنا طقوس فجيعتي بعد فقدي لأبي .. يكملون حياتهم البذيئة .. لا يدرون أنّ والدي مات. لا يعلمون أنّه رحل تاركا لي آلاما حملتها أنا عنه!! آهٍ لو أنّك تضحك من أجل هذا!! هل حدث وعلمتَ أنّني سألت "إلياس" إن كان الله يحبّني؟ هل سمعته حين قال لي إنّ الله يعشقني لأنّني أفكّر فيه وجادّة في البحث عنه؟! لعلّك تبتسم لإدراكك العميق أنّ "إلياس" ذا الفؤاد النّرجسيّ مفرطٌ في الجمال، لذا يقول أيّ شيء من شأنه أن يُفرحني!! النّار في صدري مشتعلة. عانقني الكثيرون معزّين باكين. لكنّ النّار في صدري تتأجّج أكثر فأكثر. وحده حضن أبي كان سيطفئها. لهذا تبتسم؟! أم لأنّني لم أفهم يوما أبي حين كان يساوي بين التّبر والتّراب؟! بالله عليك ما سرّ وجهك الضّاحك؟! أبِه سخريّة من مواساة "خالدَ" لي .. من قسمِه على كوني عنقاء أخرى ستولد من جديد من قلب اللّهب؟! أم لعلّه تشفّ منك لأنّك كشفتني حين كنت أسأل القدَر متوسّلةً أن يبدأ لعبة النّسيان معي؟! ربّما في ابتسامتك شماتة لأنّني بتّ أقوم مفزوعة كلّما تحدّث أحدهم بصوت مرتفع حتّى أنّ ضلوعي تكاد تلفظ قلبي! لا تنظر إليّ مبتسما هكذا .. أتكون أحد تلامذتي الّذين أدرّسهم الفلسفة والحبّ والفنّ والجمال؟ همُ الّذين لا يفكّرون إلاّ في البطالة وسبل العيش وتمنعهم أحلامهم الصّغرى من الاقتراب من الأحلام الكبرى. يبدو أنّك باغتّني وأنا أكتب بالطّبشور في إحدى الحصص: "كاد المعلّم أن يصبح شيفونا!* هل تضحك مستسلما للهزيمة مثلي؟ أنا أيضا فشلت في أن أحتفي بسموقي وأنيني .. في أن أرقص فرَحاً بالموت .. في أن أصل بفجائعي حدّ الرّقص! لو أنك قرّرت أن تستقبل معي حياة الضّنك والمشقّة بابتسامة .. فلا تعليق لديّ! ابتسامتك أبشع من أن تكون للمواساة والتّعزية! ماذا لو أنّك تبتسم قائلا إنّ الموت هو من ضمن أشياء تحدث .. مجرّد أشياء تحدث!! لابتسامتك أن تكبر وتكبر وتكبر إذا كانت تهزأ من ضعفي أمام قوّة أبي ... أبي الحبيب حين كانت تشتدّ به آلامه كان يكابر حتّى لا تسقط ولو دمعة واحدة من عينيه .. أنا أضعَف من أن أحاكيه! هل ستمضي في ابتسامتك وضحكك لو أخبرتك أنّ أبي علّمني وأختيَّ بفطرته أنّ الإبداع الحقيقيّ هو أن نتمدّد على الطّريق عرايا إلاّ من أحلامنا .. أن نرفض الثّمالة المستوردة.. أن نحبّ ونحلم ونتمرّد ونكتب بالدّم سيرة فوق الحديد .. أن نرى الجمال في السّواد .. أن نحسّ لذّة الافتتان بالموت أيضا!! كاذبةٌ ابتسامتك وواهية لو أنّها تسعى لتُثبت لي أنّه ما من حزن سرمديّ ولا ليل سرمديّ. وأن لا وجود لليلة ليلاء يُفتقد فيها البدر!! أسمعهم يتداولون ويتّفقون حول أجرتك. ابتسامتك الخبيثة تجعلني أفكّر أنّك قد تكون أنت الآخر من بائعي الوهم في زمننا هذا!! أراهم يعطونك ملاليم تضعها في جيبك بفرح غير خافٍ .. ينادُونك بحفّار القبور .. هكذا إذن؟ أنت من سيحفر قبر أبي. تمضي وابتسامةُ وجهك الشّاحب ثابتة .. ليس لأنّك ستدفن جزءا كبيرا منّي مع أبي .. بل فرَحاً بالموت تبتسم .. وانتظارا لكلّ موت ستظلّ تبتسم!! « return. |