منذ أن غادرت هذا الوطن لأعمل في الخارج و أنا أسئل نفسي سؤالا ينغص علي عيشتي و يشاركني صحوتي و سباتي, وهو ترى هل ضاق بي وطني لكي أجد نفسي مضطرا لأن أعمل خارجه و هل أصبح سوق العمل في بلادي مثقلا ومشبعا لدرجة أنه لم يعد قادرا على تحمل أعباء مواطن مثلي,أم أن سوء الحظ وسوء التدبير,وعدم التوفيق هو المسؤول عن عدم حصولي على وظيفة في وطني,وأحيانا يشطح خيالي في تحليلي للموضوع فأقول لنفسي ربما أن دعوة من دعوات أمي الغاضبة علي قد أصابت سقف السماء عندما خالفت أمرها ذات يوم و أنا طفل لأني كنت أنفق كل مصروفي على شراء (سحبة البلالين) و(شعر البنات)من الباعة المتجولين
لا أكون خجولا حين أزعم أن هذا السؤال يسبب لي توترا شديدا ويبدو بأني في حاجة ماسة لأن اجد جوابا شافيا,ويزداد توتري و تشتد دهشتي كلما أقرر زيارة الوطن ,لإني أجلس مع أصدقائي و زملائي الذين يحملون نفس مؤهلي وربما كان بعضهم اصغر مني سنا ,فأجدهم ينعمون بوظيفة كريمة في وطنهم قد كفتهم ذل السؤال و أغنتهم عن فكرة الخروج للعمل خارج الوطن,ولهذا كثيرا ما أذهب مسرعا الى أقرب مرآة ثم أمعن النظر في شكلي لكي أحاول التعرف على نوع عاهتي التي تمنع أصحاب العمل من توظيفي و تجعلهم يشمئزون من مجرد النظر الى طلب التوظيف الذي أتقدم به,غير أني في النهاية لا أجد في نفسي عاهة تستدعي حالة الرفض التي أشعر بها,
لا بد أن أكون منصفا أيها الأخوة القراء ولا داعي لأن اظلم سوق العمل في بلادنا فقد تذكرت الآن أني ذات مرة تقدمت بطلب توظيف وسرعان ما تم قبولي في وظيفة ما ولكن بعد ثلاثة شهور من العمل وبعدما انفقت من جيبي ما يزيد عن المئتي دينار ما بين أجور مواصلات وما بين تجهيز لمكان العمل وحين شعرت بأن اصحاب العمل قد تأخرو كثيرا في صرف راتبي ذهبت بمنتهى الخجل و الحياء لكي أطالب به,وقد انزعج مديري كثيرا لكونهم قد تاخرو كثيرا في صرف راتبي وقرر صرف خمسين دينار كثلاث رواتب ثم تكرم و تفضل وصرف لي مكافئة مقدارها خمسة دنانير و شكر لي صبري عليهم و اخبرني بأني كنت متطوعا نشيطا في مؤسستهم و طلب مني أخيرا أن التف ليرى عرض كتافي
بعد هذا الموقف المؤلم توصلت الى قناعة جازمة بأن سوق العمل في بلادي لا يعاني من أي مشكلة ولكن المشكلة تكمن عندي وقد بدأت أقتنع بكلام أمي أخيرا بأن جارتنا الشريرة بتصيب بالعين و ( أني معموللي عمل) و أن هناك ثمة من يحسدني كوني لم أجلس بعد تخرجي من الجامعة عاطلا عن العمل سوى خمس سنوات فقط